للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السبب الثاني: شرعي لا يدركه الناس، وإنما يعلم عن طريق الوحي، وهو إرادة الله تخويف عباده بذلك، إذ قد يكون إيذانًا بعقوبة، فإن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة، قال تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} [الإسراء: ٥٩]، نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وغفرانه، ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي فعله عند حدوث الكسوف.

وقد ضعف شأن الكسوف عند كثير من الناس، وصار شيئًا عاديًا لا بسبب خوفًا ولا يدعو إلى الفزع، لما صاروا يعلمونه قبل وقوعه، وهذا جهل ناشئ من اعتقاد أنه لا يمكن اجتماع السبب الكوني والشرعي للكسوف، أو أنه ناشئ عن ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله تعالى، ولا تنافي بين الأسباب الكونية والشرعية، فإن عقوبات الله تعالى لعباده لها أسباب؛ فالزلازل لها أسباب، والصواعق لها أسباب، وثوران البراكين لها أسباب، وهكذا.

لقد صار الاهتمام في هذا الزمان بالسبب الكوني وإهمال السبب الشرعي، عكس ما ورد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يرد في السنة بيان السبب الكوني، ولا عنيت الشريعة بتفاصيل ذلك، إذ لا فائدة للأمة من العلم به، والاطلاع عليه، بل نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن هذا علم قليل المنفعة (١)، وقال ابن القيم رحمه الله: (فشرع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة عند انعقاد هذا السبب، ما هو أنفع لهم وأجدى عليهم في دنياهم وأخراهم من اشتغالهم بعلم الهيئة وشأن الكسوف وأسبابه) (٢).

لا ريب أن للكسوف أسبابًا، تدرك بالحساب، كما أن الصواعق والعواصف والزلازل المدمرة لها أسباب معلومة عند أهل المعرفة بها، لكن هذا لا يعني إبطال السبب الشرعي الذي هو تخويف العباد، أو محاولة إهماله ونسيانه وإبعاده عن أذهان الناس وعن العمل بمقتضاه، وأنه لا داعي للخوف


(١) "الفتاوى" (٣٥/ ١٧٥).
(٢) "مفتاح دار السعادة" (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>