على البداءة بالدبر، فيكون من باب تسمية الفعل بابتدائه، وهو أحد قولين للأصوليين في تسمية الفعل، هل يكون بابتدائه أو انتهائه؟
وذلك لأن مخرج الطريقين متحد، فهما بمعنى واحد.
وقد ورد في سنن أبي داود من حديث المقدام بن معديكرب قال:(رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضأ، فلما بلغ مَسْحَ رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه، فأمرَّهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه)(١).
فإن قيل بالترجيح فلا ريب أن حديث البداءة بالمقدم أكثر وأصح وأجود إسناداً من حديث البداءة بالمؤخر، كما قال الترمذي، وحديث الرُّبيِّع فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد تكلم فيه العلماء من قبل حفظه، فهو ضعيف إذا انفرد بالرواية ولم يتابع، وإلا حمل حديث البداءة بالمؤخرة على تعدد الحالات وبيان الجواز، وفيه عمل بجميع الأدلة.
الوجه السادس: الحكمة من مسح الرأس على هذه الصفة استيعاب جهتي الرأس بالمسح؛ لأن الشعر من جهة الوجه متجه إلى الوجه، ومن جهة المؤخر متجه إلى القفا، فإذا بدأ من مقدم الرأس استقبل الشعر وأصبح الماء يمس أصول الشعر، فإذا وصل إلى قمة الرأس استدبر الشعر، وأصبح الماء يمس ظهور الشعر، فإذا عاد حصل عكس ذلك.
وليس هذا من باب تكرار المسح، وإنما المقصود أن يكون المسح مباشراً لظهور الشعر وأصوله، فهي مسحة واحدة لا مسحتان؛ لأن تمام المسحة الواحدة لا يحصل على جميع الشعر إلا بالإقبال والإدبار، فإنه في رجوعه يمسح ما لم يمسحه في ذهابه، وهذه الصفة ليست واجبة، فلو مسح على أي صفة كانت أجزأ المسح، لكن المحافظة على السنة أفضل.
(١) "سنن أبي داود" (١٢٢)، وفي إسناده الوليد بن مسلم، وهو مدلس، وقد صرح بالتحديث عند ابن ماجه (٤٥٧)، والطحاوي (١/ ٣٢) وتابعه أبو المغيرة عند ابن الجارود (٧٤)؛ واسمه عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي، قال الحافظ: (ثقة)، لكن الوليد يدلس تدليس التسوية، وقد يكون التصريح بالسماع خطأ في الإسناد من بعض الرواة.