للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحق أنه لا دليل فيه إلا لو كان صلّى الله عليه وسلّم اقتصر على مسح الناصية، ولكنه لم يكتف بذلك بل أتم مسحه لباقي رأسه، وهو ما كانت تغطيه العمامة، فدلالته على الاستيعاب أولى، وسيأتي هذا الحديث إن شاء الله تعالى.

الوجه الخامس: الحديث دليل على صفة مسح الرأس، وهو أن يبدأ بمقدم رأسه، فيذهب بيديه إلى قفاه أعلى الرقبة، ثم يردهما حتى يصل إلى المكان الذي بدأ منه، وهو مبتدأ الشعر على حد الوجه، وقد دل على هذه الصفة قوله: (بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه).

والقول الثاني في تفسير الإقبال والإدبار أن يبدأ بمؤخر رأسه، فيقبل إلى جهة الوجه، ثم يدبر فيرجع إلى المؤخر، أخذاً بظاهر قوله: (فأقبل بيديه وأدبر) ولما ورد في حديث الرُّبيِّع بنت معوذ: (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مسح برأسه مرتين: بدأ بمؤخر رأسه، ثم بمقدمه) (١).

وأجاب الأولون عن هذه اللفظة: (أقبل بيديه وأدبر)، بثلاثة أجوبة:

١ - أن الواو لا تقتضي الترتيب، وأن التقدير: أدبر وأقبل، ويؤيد ذلك ما ورد عند البخاري من طريق سليمان بن بلال بلفظ: (فمسح رأسه، فأدبر به وأقبل) (٢).

٢ - أن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية التي تنسب إلى ما يقبل إليه ويدبر عنه، والمؤخر محل يمكن أن ينسب إليه الإقبال والإدبار.

٣ - أن يحمل قوله: (أقبل) على البداءة بالقبل وهو مقدم الرأس و (أدبر)


(١) أخرجه الترمذي (٣٣) وقال: (هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسنادًا)، وقد علق الشيخ أحمد شاكر (١/ ٤٨) على تحسين الترمذي وأنه لمعارضته حديث عبد الله بن زيد وإلا فهو صحيح، بدليل ما بعده، فإنه صححه وهو نفس الحديث، ثم قال: (إنه لا تعارض بينهما حتى يحتاج إلى الترجيح، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبدأ بمقدم رأسه وكان يبدأ بمؤخره، وكل جائز)، لكن قول الترمذي مقدم.
(٢) "صحيح البخاري" (١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>