للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

احتمالات عديدة، منها: أنه يحتمل أن ابن عباس نسي ما قرأ به، وحفظ قدر قراءته، فقدرها بالبقرة، فإن الرجل ينسى ما قرأ به الإمام في صلاة يومه، أو يقال: إنه لا يصح الاستدلال به فإنه ما سبق لموضوع الإسرار، وإنما أراد بيان مقدار قيام النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يقدم هذا اللفظ المجمل على الصريح الذي لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا.

وأما حديث سمرة رضي الله عنه فهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية ثعلبة بن عباد، وهو مجهول، تفرد بالرواية عنه الأسود بن قيس، كما ذكر الذهبي (١)، ولم يوثقه إلا ابن حبان، ونقل الحافظ أن ابن المديني ذكره في المجاهيل الذين يروي عنهم الأسود بن قيس (٢)، وبه أعله ابن حزم (٣).

ومثل هذا الحديث لا يصح أن يقف في معارضة ما ثبت في " الصحيحين"، ثم لو صح لم يكن فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يجهر، وإنما فيه: (لا نسمع له صوتًا)، ولا يلزم من نفي سماع الصوت نفي الجهر، ولو كان بحيث يسمعه لسمعه كما سمعته عائشة رضي الله عنها التي كانت قريبًا من القبلة في حجرتها، وكلاهما صادق (٤).

وعلى هذا فأحاديث الجهر صحيحة صريحة، فلا يقدم عليها ما فقد هذين الوصفين.

• الوجه الرابع: الحديث دليل على مشروعية النداء لصلاة الكسوف بلفظ: " الصلاة جامعة"، وقد ورد في " الصحيحين" حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: إن الصلاة جامعة)، ولم يرد في السنة تحديد عدد مرات النداء، فالظاهر أنه ينادي لها بقدر ما يحصل به إسماع الناس، وليس لها أذان ولا إقامة ولا ينادي لغيرها من النوافل؛ كالعيدين ولا الاستسقاء؛ لأنه لم يرد النداء بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في صلاة الكسوف، فيكون النداء لغيرها من البدع المحدثة، وتقدم ذلك في باب "صلاة العيدين"، والله تعالى أعلم.


(١) "الميزان" (١/ ٣٧١).
(٢) "تهذيب التهذيب" (٢/ ٢٢).
(٣) "المحلى" (٥/ ١٠٢).
(٤) انظر: "المحلى" (٥/ ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>