للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يؤمر بغسلها على القول بأنه معلل بعلة محسوسة مدركة، وأما على القول بأنه تعبدي فيؤمر بغسلها مطلقاً، تيقن طهارتها أو شك في ذلك.

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن ما ورد في هذا الحديث يشبه - ما تقدم - من تعليل الاستنثار بأن الشيطان يبيت على خيشوم الإنسان، فيمكن أن المراد بهذا الحديث ما خشي من عبث الشيطان بيد الإنسان وملامستها، مما قد يؤثر على الإنسان، وتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار (١).

الوجه السادس: الصحيح من قولي أهل العلم أنه لو خالف إنسان وغمس يده في الماء قبل أن يغسلها فإن الماء لا ينجس، بل هو باق على طهوريته، وهو قول الجمهور، ورواية عن الإمام أحمد، ومن أهل العلم من قال: إنه يكون طاهراً غير مطهِّر، وهذا المذهب عند الحنابلة (٢)، إذا كان الماء دون القلتين، والظاهر أن ذلك مبني على أن الأمر بالغسل للوجوب، وعن أحمد أن الماء نجس، وهذان القولان ضعيفان، والصواب الأول، وهو أن الماء باق على طهوريته؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن غمس اليد، ولم يتعرض للماء، وما دام أن هذا الماء طهور، فهذا يقين، واليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين مثله لا بِشَكٍّ، وعلى هذا فالأصل الطهارة، لكن إن قلنا: إن النهي في الحديث للتحريم، فالغامس يده اثم لأنه مخالف للنهي، وإن قلنا: إنه للكراهة فهو غير اثم، أما الماء فهو باق على الأصل.

الوجه السابع: أخذ بعض العلماء من مفهوم قوله: «فلا يغمسها في الإناء» أن البرك والحياض لا تدخل في النهي؛ لأنها لا تفسد بغمس اليد فيها - على القول بأن الماء يفسد - لعدم ورود النهي فيها عن ذلك، وكذلك الأنابيب الموجودة الآن، فإن الحكم لا يسري إليها؛ لأن المتوضئ لا يحتاج إلى غرف، وهذا فيه نظر، فإن اليد - وإن لم تكن داخلة في الماء - لكنها ناقلة للماء، وكما يطلب إنقاؤها قبل إدخالها الإناء، يطلب إنقاؤها قبل نقلها الماء للمضمضة والاستنشاق، فالقول بغسلها عموماً هو الأظهر إن شاء الله تعالى، والله أعلم.


(١) "مجموع الفتاوى" (٢١/ ٤٤).
(٢) "الإنصاف" (١/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>