للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول الثاني: أنه لا فرق بين نوم الليل ونوم النهار، لإطلاقه صلّى الله عليه وسلّم النوم من غير تقييد، ولعموم العلة، مع أن نوم الليل اكد، وقوله: «فإنه لا يدري أين باتت يده» خرج مخرج الأكثر والغالب، وما خرج مخرح الغالب فلا مفهوم له، كما في الأصول، وهو قول إسحاق بن راهويه (١)، وهذا هو الأظهر إن شاء الله، لقوة مأخذه، واختاره الشيخ عبد العزيز بن باز، قال الخطابي: (وفي الحديث من العلم أن الأخذ بالوثيقة والعمل بالاحتياط في باب العبادات أولى) (١).

الوجه الخامس: اختلف العلماء في الحكمة من الأمر بغسل اليد على قولين:

الأول: أن الحكمة معقولة ومدركة وليست معنوية، وهي جولان اليد في بدن النائم بدون إحساس، فقد تلامس أمكنة من بدنه لم يتم تطهيرها بالماء، فتعلق بها النجاسة، وقد نقل الحافظ عن الشافعي أنه قال عن أهل الحجاز: كانوا يستجمرون وبلادهم حارة، فربما عَرِقَ أحدهم إذا نام، فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر أو غير ذلك (٢).

القول الثاني: أن هذا تعبد لا يعقل معناه، واستدلوا على ذلك بأن الأحكام لا تبنى على الشك، وذلك أن اليقين في اليد أنها طاهرة، ونجاستها أثناء النوم مشكوك فيها، فلا يؤمر بغسلها لنجاستها؛ لأن اليقين لا يُزَال بالشك، فيكون الأمر في ذلك تعبدياً.

ولكن هذا التعليل فيه نظر، فإن الشرع قد ينزل المظنة منزلة السبب، ولهذا يحكم بانتقاض الوضوء بالنوم، فاليد وإن كانت طاهرة، لكن جولانها أثناء النوم موجود، فلا يبعد أن تصيب موضعاً نجساً.

والفرق بين القولين أن من تيقن أين باتت يده كمن لفَّ عليها خرقة أو وضعها في جراب فاستيقظ وهي على حالها أنه لا يتعلق بها هذا الحكم، فلا


(١) "الأوسط" (١/ ٣٧٣)، "معالم السنن" (١/ ٩٠).
(٢) "فتح الباري" (١/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>