للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأن يقام له. والقيام للفزع من الموت فيه تعظيم لله تعالى وتعظيم للقائمين بأمره وهم الملائكة، كما ورد في بعض الروايات.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على أن من تبع جنازة وشيعها فإنه لا يجلس حتى توضع الجنازة على الأرض، وهذا قول جماعة من الصحابة؛ كابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنه، وجماعة من التابعين؛ كالنخعي، والشعبي، وابن سيرين، والأوزاعي (١)، وهو قول الحنفية، وهو المذهب عند الحنابلة. وقد عبروا باستحباب القيام وكراهة الجلوس (٢).

والقول الثاني: أن الجلوس جائز، وهو قول المالكية والشافعية، وقالوا: إن الحديث الوارد بالأمر بالقيام منسوخ، سواء في ذلك قيام مشيعها، أو قيام من مرت به، أو قيام المشيع على القبر (٣)، وذلك بما أخرجه مسلم عن علي رضي الله عنه قال: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا؛ يعني في الجنازة (٤).

فقالوا: إن القعود كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون ناسخًا للأمر بالقيام، كما في حديث أبي سعيد وحديث جابر رضي الله عنه.

والأظهر والله أعلم أن الأمر بالقيام مراد به الاستحباب، وأن القعود في حديث علي رضي الله عنه محمول على بيان الجواز، وهذا اختيار ابن حزم، والنووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وجماعة آخرين (٥)، وهذا القول فيه جمع بين الأدلة، وهو مطلوب متى أمكن، وأما القول بالنسخ فهو قول مرجوح؛ لأن النسخ له شرطان:

الشرط الأول: عدم إمكان الجمع، وهنا قد أمكن، فيكون هو المتعين.

الشرط الثاني: معرفة التاريخ: وهو تقدم المنسوخ وتأخر الناسخ، وهذا غير ممكن.


(١) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (٣/ ٣٠٨)، "الأوسط" (٥/ ٣٩٢).
(٢) "المبسوط" (٢/ ٧٧)، "المغني" (٣/ ٤٠٤) (٢/ ٢٦٢).
(٣) "الاستذكار" (٨/ ١٩٩)، "المجموع" (٥/ ٢٨٠).
(٤) أخرجه مسلم (٩٦٢).
(٥) "المحلى" (٥/ ١٥٣)، "المجموع" (٥/ ٢٨٠)، "الاختيارات" ص (٨٨)، "تهذيب مختصر السنن" (٤/ ٤١٢ - ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>