للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأموات منهي عنه للحكمة الأولى فإذا أدى إلى أذية الأحياء كان محرمًا من جهتين.

والحكمة الثالثة: أن سب الأموات من باب الغبة التي وردت الآيات والأحاديث بتحريمها؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: " الغيبة ذكرك أخاك بما يكره" يدخل فيه الحي والميت، وقد بوب البخاري في كتابه " الأدب المفرد"، باب " الغيبة للميت" (١). قال ابن بطال: (سب الأموات يجري مجرى الغيبة في الأحياء) (٢).

• الوجه الرابع: ورد في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًا، فقال: "وجبت". فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: " هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض" (٣).

وهذا فيه دليل على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة، ولا يكون ذلك من الغيبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم ذلك، ولعل هذا الذي أثنى عليه شرًا كان مشهورًا بفسقه وفساده، فيخشى أن يقتدى بشره، فيكون ذلك من باب التحذير منه والتنفير عنه.

قال البيهقي: (وكأن الذي أثنوا عليه شرًا كان معلنًا بشره، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم زجر أمثاله عن شرورهم وعن إطالة الألسنة في أنفسهم، فقال ما قال، والله أعلم) (٤). ومثل ذلك قال الشراح؛ كالإمام النووي والقرطبي والحافظ ابن حجر وجماعة آخرين، واختاره الشيخ عبد العزيزبن باز وقال: (إن ذلك فيه جمع بين الأخبار)، والله تعالى أعلم.

* * *


(١) "الأدب المفرد" (٢/ ٢٠٢).
(٢) "شرح ابن بطال على صحيح البخاري" (٣/ ٣٥٤).
(٣) "صحيح البخاري" (١٣٦٧).
(٤) "السنن الكبرى" (٤/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>