للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الرابع: الحديث دليل على أنه لا عبرة بالحساب في إثبات دخول الشهر وخروجه، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره إجماع الصحابة على ذلك (١)؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم علَّق الحكم بالرؤية لا بالحساب، والرؤية يدركها الخاص والعام، والجاهل والعالم، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، وتيسيره عليهم.

الوجه الخامس: الحديث دليل على أنه إذا غُمَّ الهلال وسُتِرَ ليلة الثلاثين بغيم أو قتر أنه تكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً، ولا يصام يوم تلك الليلة، ويكون معنى قوله: «فاقدروا له» أي: قدروا عدد الشهر، فكملوا شعبان ثلاثين يوماً، لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»، وهذا نص صريح لا يقبل التأويل.

وذهب جماعة من الحنابلة إلى وجوب الصوم يوم الثلاثين إذا حال دون الهلال غيم أو قتر احتياطاً (٢)، وفسَّروا قوله: «فاقدروا له» بمعنى: ضيقوا له العدد، من قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: ٧] أي: ضُيِّقَ عليه، والتضييق: أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً.

قالوا: وقد فسر ابن عمر رضي الله عنهما هذا الحديث بفعله، وهو راويه، وأعلم بمعناه، وقد روى نافع فقال: (كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يوماً بعث من ينظر، فإن رئي فذاك، وإن لم يُرَ ولم يَحُلْ دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائماً) (٣).

والقول الأول: هو الصحيح، وهو أنه يجب فطر يوم الثلاثين إذا حال دون الهلال غيم أو قتر لما تقدم، وتفسير الحديث بالحديث أولى، وأما فعل ابن عمر فقد خالف نصًّا، وقول الصحابي إذا خالف نصًّا يُرَدُّ، وهو اجتهاد منه، والاجتهاد يخطئ ويصيب، وتفسير الشارع وبيانه مقدم على تفسير غيره، وابن عمر رضي الله عنهما له أفعال انفرد بها، كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره، والله تعالى أعلم.


(١) انظر: "الفتاوى" (٢٥/ ٢٠٧)، "فتح الباري" (٤/ ١٢٧).
(٢) انظر: "المغني" (٤/ ٣٣٠)، "الإنصاف" (٣/ ٢٦٩).
(٣) هذه الزيادة عند أبي داود (٢٣٢٠)، وأحمد (٨/ ٧١)، والحديث إسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>