للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خبأت لك شيئاً، قال: «مَا هُوَ؟» قلت: حَيْسٌ، قال: «هَاتِيهِ» فجئت به فأكل، ثم قال: «قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِماً».

الوجه الثاني الحديث دليل على أن صوم التطوع لا يلزم فيه تبييت النية من الليل، وإنما يجوز بنية من النهار، لقوله: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟»، قلنا: لا، قال: «فَإِنِّي صَائِمٌ … »، وظاهره أنه أنشأ الصيام في الحال، بدليل رواية البيهقي الآتية.

وهذا مذهب الجمهور، وهو قول جماعة من الصحابة؛ كعلي وابن مسعود رضي الله عنهما، ونقله البخاري عن أبي الدرداء وأبي طلحة وأبي هريرة وابن عباس وحذيفة، بل رواه ابن حزم عن عشرة من الصحابة رضي الله عنهم (١). وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجمهور السلف (٢).

وشرط صحة صيام النفل من النهار ألا يأتي بمنافٍ للصوم قبل أن ينوي، من أكل أو شرب أو جماع؛ فإن فعل شيئاً من ذلك لم يصح صومه؛ لأنه تناول مفطراً بعد الفجر.

وذهبت المالكية، وداود الظاهري، وابن حزم، والمزني - من الشافعية - إلى أنَّ تبييت النية شرط في صحة صوم النفل، ومال إلى هذا القول الصنعاني (٣)، مستدلين بعموم الحديث المتقدم: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له».

وأجاب ابن حزم عن حديث الباب بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد نوى الصيام قبل الفجر، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «قد كنت أصبحت صائماً»، ولمَّا لم يجد طعاماً واصل صيامه، فلما أُخبر بوجود الطعام أفطر.

والقول الأول أرجح؛ لما تقدم من الحديث؛ ولأنه ورد عن الصحابة


(١) "المحلى" (٦/ ١٧٢).
(٢) "الاستذكار" (١٠/ ٣٥)، "المحلى" (٦/ ١٧٠)، "المجموع" (٦/ ٢٩٢)، والغريب أن ابن حزم لا يرى صوم النفل من النهار مع أنه روى حديث عائشة -رضي الله عنها-، ورواه عن عشرة من الصحابة -رضي الله عنهم- كما تقدم.
(٣) "الأم" (٢/ ٣٥)، "الهداية" (١/ ١١٩)، "المغني" (٦/ ٣٤٠)، "المجموع" (٦/ ٣٠٢)، "سبل السلام" (٢/ ٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>