للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذين ذكرهم البخاري، وروى ابن حزم أقوالهم أنهم كانوا يصومون بنية من النهار، وهم أعلم منا بالتنزيل وبمراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ ولأنه ورد في رواية البيهقي من حديث عائشة المذكور: «إذن أصوم» (١). فهذه تكاد تكون صريحة في أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صام بنية من النهار.

لكنهم اختلفوا في وقت النية من النهار، فورد عن ابن عباس، وابن عمر، وأنس، وابن مسعود رضي الله عنهم تحديد منتصف النهار كحد أقصى، ولا يجوز أن ينوي الصوم بعده، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه (٢).

وذهب الشافعي في الجديد وأحمد إلى صحة صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده؛ لأن النصوص الدالة على جواز الصوم بالنية من النهار لم تفرق بين إحداث النية قبل الزوال وبعده.

وقد اختلف العلماء: هل يثاب ثواب يوم كامل، أو لا يثاب إلا من النية؟ قولان:

الأول: أنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط، وهذا قول الشافعية والحنابلة (٣)، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وهذا لم ينو الصوم إلا بعد مضي جزء من النهار، فليس له من الثواب إلا المقدار الذي نواه.

والقول الثاني: أنه يثاب على النهار كله، وهذا قول الحنفية، وبعض فقهاء الحنابلة (٤)؛ لأن هذا أمسك النهار كله وأخَّر النية.

والأول أقوى من جهة الدليل، والثاني أقرب إلى سعة فضل الله، والله تعالى أعلم.

الوجه الثالث: الحديث دليل على جواز قطع صوم التطوع وأنه لا يجب إتمامه ولو بدون عذر، لكن ينبغي للصائم مراعاة المصلحة في إمضاء صومه أو فطره؛ فإن حقق فطره مصلحة أفطر، كما أفطر النبي صلّى الله عليه وسلّم لما وجد


(١) "السنن الكبرى" (٤/ ٢٠٣)، وقال: (هذا إسناد صحيح).
(٢) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (٣/ ٢٨).
(٣) "المغني" (٦/ ٣٤٢)، "النيات في العبادات" ص (١٩٣).
(٤) "شرح فتح القدير" (٢/ ٣١٢)، "الهداية" لأبي الخطاب (٢/ ٥١)، "الإنصاف" (٣/ ٢٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>