للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

للصائم، فلم يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه اكتحل، ولا أنه نهى الصائم عنه.

الوجه الثاني: اختلف العلماء في حكم اكتحال الصائم على قولين:

الأول: أن الصائم ممنوع من الاكتحال وأنه يُفَطِّرُ، وهذا مذهب الإمام أحمد، ونقله الترمذي عن سفيان وابن المبارك وإسحاق (١).

واستدلُّوا بما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بالإثمد المُروَّح عند النوم، وقال: «ليتقه الصائم» (٢).

كما استدلوا بأن العين منفذ، بدليل أنه يجد طعم الكحل في الحلق.

والقول الثاني: جواز اكتحال الصائم وأنه لا يؤثر على صيامه مطلقاً، سواء وجد طعمه في حلقه أم لا، وهو قول الحنفية والشافعية، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية (٣).

واستدلوا بحديث الباب، ولأن العين ليست منفذاً، فلم يفطر بالداخل منها.

وهذا هو الراجح؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك شيء، والأصل صحة الصيام إلا بدليل صحيح صريح يدل على فساده، والكحل لا يفطر ولو وجد طعمه في حلقه؛ لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، والعين ليست منفذاً لهما.

والكحل مما تعم به البلوى ويحتاج الناس إلى معرفة حكمه، فلو كان يفطر الصائم لبيَّنه النبي صلّى الله عليه وسلّم كما بيَّن غيره من المفطرات، فلما لم يبينه دلَّ على أنه لا يؤثر على الصائم.

وقد روى أبو داود بسنده عن أنس رضي الله عنه أنه كان يكتحل وهو صائم، وروى - أيضاً - عن الأعمش أنه قال: (ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره


(١) المصدر السابق، "المغني" (٤/ ٣٥٣).
(٢) "السنن" (٢٣٧٧).
(٣) "الهداية" (١/ ١٢٦)، "المجموع" (٦/ ٣٤٨)، "حقيقة الصيام" ص (٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>