للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وذهب داود الظاهري وابن حزم إلى أنه لا يجزئ المسافر الصوم؛ وإنما فرضه الفطر (١)؛ لأن الله تعالى قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم في حق الذين صاموا: «أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاة»، ولحديث جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: صائم، قال: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ») (٢).

والصواب هو القول الأول؛ لقوة أدلته، وأما الآية فليس فيها دليل على عدم إجزاء صوم المسافر لو صام؛ وإنما فيها أن المسافر إذا أفطر فعليه عدة من أيام أُخر، والسنة تبين القرآن، ولو كان الصيام في السفر لا يجزئ ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا أحد من أصحابه، وهم أعلم منا بمراد الله تعالى في كتابه، وقد جاء عن بعض السلف من الصحابة والتابعين وجوب الصوم في السفر، لظاهر قوله تعالى: {وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} (٣).

وأما قوله: (أولئك العصاة) فإنما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم في حق المخالفين الذين لم يمتثلوا أمره لهم بالإفطار حين شق الصيام على الناس، ولا ريب أن الفطر متعين في هذه الحالة، وعدم الامتثال معصية.

وأما حديث: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ»، فإنما قاله فيمن شق عليه الصيام، بدليل السياق؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم صام في السفر، وهو لا يفعل ما ليس ببر.

والحق أن القول بوجوب الفطر في السفر إعراض عن الأحاديث الدالة على جواز الصيام، وهي كثيرة.

ثم اختلف الجمهور أيهما أفضل في السفر الصوم أو الفطر؟

فذهب أبو حنيفة والشافعي - ونسبه ابن حجر إلى الجمهور (٤) ـ إلى أن


(١) "المحلى" (٦/ ٢٤٣).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (١١١٥).
(٣) انظر: "مصنف عبد الرزاق" (٤/ ٢٦٩).
(٤) "فتح الباري" (٤/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>