للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العلماء على ذلك (١)، وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في الصدر الأول من هذه الأمة، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إِذَا نُودِيَ للصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَحَدُكُمْ جُنُبٌ فَلَا يصومنَّ يَوْمَهُ» (٢)، وكان أبو هريرة يفتي بذلك، وقال به قوم من التابعين، كما ذكر الترمذي (٣).

ثم ارتفع الخلاف واستقر الإجماع على ما تقدم، ورجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك، كما ثبت في «الصحيحين»، وأما الحديث فهو منسوخ بحديثي أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما، نقل ذلك البيهقي عن ابن المنذر، وكذا قاله الخطابي (٤). وقيل: إنه مرجوح قد عارضه ما هو أصح منه، فيقدم عليه. وهذا رأي البخاري؛ فإنه لما روى حديثي عائشة وأم سلمة، وذكر ما ورد عن أبي هريرة، قال: (والأول أسند)؛ أي: أقوى إسناداً؛ لأنه ورد عنهما ذلك من طرق كثيرة جدًّا، حتى قال ابن عبد البر: (إنه صح وتواتر)، وأما ما ورد عن أبي هريرة فقد ورد أنه لم يسمعه من النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنما سمعه بواسطة الفضل وأسامة.

الوجه الرابع: الحديث دليل على جواز تأخير الغسل من الجنابة، وأنه لا تجب المبادرة بذلك، وتقدم ذلك في «الطهارة».

الوجه الخامس: يقاس على الجنب الحائض إذا انقطع دمها ورأت الطهر قبل الفجر؛ فإنها تصوم مع الناس ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لأنها حينئذٍ من أهل الصوم، وعليها أن تبادر بالغسل لتصلي الفجر في وقتها؛ والنفساء مثل الحائض في ذلك.

وإذا احتلم الصائم في نهار رمضان فإنه يغتسل وصومه صحيح؛ لأنه ليس له اختيار في ذلك ولا إرادة، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، والله تعالى أعلم.


(١) "الإفصاح" (١/ ٢٤٤)، "شرح صحيح مسلم" (٧/ ٢٣١).
(٢) علقه البخاري (٤/ ١٤٣ "فتح")، ووصله أحمد (١٣/ ٤٩٠)، وابن حبان (٣٤٨٥) بإسناد صحيح.
(٣) "جامع الترمذي" (٣/ ١٤٩).
(٤) "السنن الكبرى" (٤/ ٢١٥)، "معالم السنن" (٣/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>