للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أن المراد به: طاعة الله، بأن يصوم قاصداً وجه الله تعالى، سواء في الجهاد أو في غيره، وهذا قول القرطبي (١). قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (وهذا قول قوي).

قوله: (باعد الله وجهه عن النار) أي: جعل الله وجهه بعيداً، ومتى بَعُدَ الوجه بعد جميع البدن، لكن خصه بالذكر لشرفه.

قوله: (سبعين خريفاً) أي: مسافة سبعين خريفاً. والخريف: هو الفصل الثالث من فصول السنة الأربعة، وهي: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء. وبروج الخريف ثلاثة: الميزان، والعقرب، والقوس. والمراد هنا: السنة كلها، من باب تسمية الكل باسم بعضه؛ أي: سبعين عاماً؛ لأن السنة لا يكون فيها إلا خريف واحد، فإذا مرَّ الخريف مرت السنة كلها. وخص الخريف بالذكر؛ لأن الخريف أزكى الفصول، فهو أوان جدادهم وقِطَافهم، وإدراك غلاتهم.

وذكر السبعين على وجه المبالغة في البعد العظيم عن النار، وكثيراً ما تجيء السبعين عبارة عن التكثير. قال تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠]. وقد ورد في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ عزّ وجل بَاعَدَ اللهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ» (٢).

قال السندي: (والتوفيق بين الحديثين بحمل أحد العددين أو كليهما على التكثير، أو أنه تعالى زاد للصوم الأجر) (٣).

الوجه الثالث: الحديث دليل على فضل الصيام في سبيل الله تعالى،


(١) "المفهم" (٣/ ٢١٧)، "فتح الباري" (٦/ ٤٨).
(٢) أخرجه النسائي (٤/ ١٧٣) من طريق القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، عن عقبة، به. قال الألباني في "الصحيحة" (٦/ ١/ ١٣٨): (هذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي القاسم كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن) ثم ذكر شواهد للحديث.
(٣) "حاشية السندي على النسائي" (٤/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>