للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأن جزاءه أن يبعد الله وجهه عن النار سبعين عاماً؛ لأنه جمع بين مشقة الجهاد والمرابطة، ومشقة الصيام.

وهذا محمول على ما إذا لم يضعفه الصيام عن مهمة الجهاد، كما إذا كان في حال المسير إلى العدو أو في حال الرباط.

أما عند ملاقاة العدو فقد أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالإفطار في الغزو، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (سافرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ» فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: «إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا» وكانت عزمة، فأفطرنا … ) الحديث (١).

وقد نقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه أجاز الفطر للتَّقوِّي به على الجهاد وفَعَلَهُ، وأفتى به لما نزل العدوُّ دمشق في رمضان، فأنكر عليه بعض المتفقهة، معللاً لذلك بأنه ليس بسفر طويل، فقال الشيخ: إن هذا الفطر ليس للسفر؛ وإنما هو للتقوِّي على جهاد العدو، وهو أولى من الفطر لسفر يومين سفراً مباحاً أو معصية.

وذكر ابن القيم أنه إذا جاز فطر الحامل والمرضع لخوفهما على ولديهما، وفطر من يخلِّص غريقاً ففطر المقاتلين أولى بالجواز، وهذا من باب قياس الأَوْلى، ومن باب دلالة النص وإيمائه (٢).

الوجه الرابع: في الحديث دليل على فضل صوم التطوع - باعتبار المعنى الثاني - وعظيم أجره عند الله تعالى.

والصيام من أفضل الأعمال - كما تقدم - ومن ثمار صوم النفل - كغيره من التطوعات - أنه يجبر ما عسى أن يكون في أداء الفرض من نقص أو


(١) أخرجه مسلم (١١٢٠).
(٢) انظر: "بدائع الفوائد" (٤/ ١٣٥٨ - ١٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>