للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشريعة في أصولها وقواعدها، وعليه أن يسوس نفسه ويمرنها على طاعة الله تعالى، حتى تألف ذلك وتصبح العبادة عليها سهلة؛ بل محبوبة تجد فيها الأُنس ولذة المناجاة.

الوجه الثالث: الحديث دليل على أنه لا يشرع صيام شهر كامل إلا رمضان، لقولها: (ومَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قط إِلاَّ رَمَضَانَ)، قال النووي: (قال العلماء: وإنما لم يستكمل غير رمضان؛ لئلا يظن وجوبه) (١).

الوجه الرابع: الحديث دليل على فضل الإكثار من الصيام في شهر شعبان؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر الصيام فيه، وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها: (لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يصوم شهراً أكثر من شعبان؛ فإنه كان يصوم شعبان كله … ) (٢)، والمراد بالكل: الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال، والدليل على ذلك حديث الباب فهو مفسِّر لهذا الحديث ومخصص له؛ فإنه صريح أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يستكمل صيام شهر إلا رمضان، وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: (جائز في كلام العرب - إذا صام أكثر الشهر - أن يقول: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره) (٣).

وقد اختلف العلماء في حكمة إكثاره صلّى الله عليه وسلّم من صوم شعبان، وقد ورد ما يدل على شيء من ذلك، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (٤).

وقيل: الحكمة في ذلك: تعظيم رمضان، فيشبه سنة فرض الصلاة قبلها، تعظيماً لحقها.


(١) "شرح النووي" (٨/ ٢٨٦).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٧٠)، ومسلم (١١٥٧).
(٣) "جامع الترمذي" (٣/ ١١٤).
(٤) تقدم تخريجه عند شرح الحديث (٦٨٠) من حديث أسامة -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>