للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الثاني: فقد أخرجه البخاري في كتاب «الصيام»، باب «صوم يوم الجمعة» (١٩٨٥) ومسلم (١١٤٤) (١٤٧) من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ يَوْماً قَبْلَهُ أَو يَوْماً بَعْدَهُ»، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ»، وبهذا يتبين أن الحافظ ما روى الحديث بلفظه.

الوجه الثاني: الحديث دليل على النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام دون غيرها من الليالي إذا لم يكن له عادة بقيام كل ليلة؛ فإن هذا من البدع، يقول أبو شامة رحمه الله: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع وخصَّه بنوع من العبادة؛ فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها؛ كصوم يوم عرفة وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان، ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر؛ كعشر ذي الحجة وليلة القدر - التي هي خير من ألف شهر ـ؛ أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر.

فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) (١).

الوجه الثالث: الحديث دليل على النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، وهذا النهي للكراهة عند جمهور العلماء، والصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة قوله: «إلا أن يصوم قبله أو بعده»، فدل ذلك على أن النهي عن صومه ليس للحتم، كما هو لعيدي الفطر والأضحى اللذين لا يجوز صيامهما بحال.


(١) "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ص (٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>