للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحكمة النهي عن صيام يوم الجمعة - والله أعلم - أنه يوم عظيم جمع الله فيه من الأمور الكونية ما لم يجمعه في غيره - كما تقدم في موضعه ـ، فهو مظنة أن يعظمه الناس بالصيام أو ليلته بالقيام، فبيَّن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يجوز تخصيصه، حتى يكون يوم عيد، فيه النشاط والقوة على العمل الصالح والتبكير إلى الجمعة.

قال الطيبي: (سبب النهي: أن الله استأثر يوم الجمعة بعبادة، فلم ير أن يخصه العبد بسوى ما يخصه الله به) (١). ويؤخذ من هذا أن الأيام والليالي سواء، ولا يخص منها شيء إلا بدليل، والعبادات توقيفية.

وتزول الكراهة بأمرين:

الأول: أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً موالياً له، واشتراط أن يكون موالياً له هو ظاهر اللفظ، ويدل له حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: «أصمتِ أمس؟»، قالت: لا، قال: «أتريدين أن تصومي غداً؟»، قالت: لا، قال: «فأفطري» (٢).

الثاني: إذا صادف يوم الجمعة عادة للإنسان، لقوله: «إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» كما لو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصادف يوم صيامه يوم الجمعة، ومثل ذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عرفة فإنه يصومه؛ لأنه لم يصمه لكونه يوم جمعة، وإنما لكونه يوم عرفة.

وإنما زالت الكراهة في هذين الأمرين؛ لأنه لم يحصل للجمعة تخصيص، والله تعالى أعلم.


(١) "شرح الطيبي" (٤/ ١٨٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>