للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وظاهر حديثها الأول أنه يصلي الأربع بتسليم واحد، لكنه ليس بصريح في ذلك، بل يحتمل أنه يصليها مفصولة، لقولها: (يُسلِّم من كل ركعتين)، وقد تقدم هذا في «التطوع» وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة (١)، وقد تكون الركعتان الزائدتان على الإحدى عشرة ما كان يفتتح به صلاة الليل، كما في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه الذي ساقه مسلم بعد هذا الحديث، أو سنة العشاء (٢) والله أعلم.

وصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر تميماً الداري وأُبي بن كعب أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة (٣)، وأما ما ورد أن الناس على عهد عمر رضي الله عنه كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين (٤)، فهو ضعيف لا تقوم به حجة، لوجوه ليس هذا محلها (٥)، ولا متمسك فيه لمن ينتصر لهذا العدد.

لكن من يفتي من أهل العلم بالثلاث والعشرين يستدل بما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما سئل عن صلاة الليل لم يحدد عدداً معيناً، مع أن المقام مقام بيان، وهذا الاستدلال لا بأس به، لكن الأفضل اتباع سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم التي داوم عليها، وعمل بها أصحابه من بعده، ومنهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أفهم منا لنصوص الشرع، وأكثر إدراكاً لمقاصده، فجمع الناس على ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم في تهجده، وهو إحدى عشر ركعة، ووافقه الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، ولم يجتهد في استنباط ما زاد على هذا العدد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

فالاستدلال على الإحدى عشرة بفعله صلّى الله عليه وسلّم أقوى من الاستدلال على الثلاث والعشرين بهذا الحديث أو غيره من العمومات.


(١) رواه البخاري (١١٣٨)، ومسلم (٧٦٤).
(٢) انظر: "فتح الباري" (٣ - ٢١).
(٣) رواه مالك (١/ ١١٥) وسنده صحيح.
(٤) رواه مالك (١/ ١١٠)، والبيهقي (٢/ ٤٩٦).
(٥) انظر: "صلاة التراويح" للألباني ص (٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>