للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الرابع: الحديث دليل على تحريم السفر لمسجد أو بقعة غير المساجد الثلاثة … ويدخل في ذلك شد الرحال للمواضع الفاضلة أو لزيارة القبور، فهذا محرم، كما قال المحققون من أهل العلم، ومنهم: أبو محمد الجويني، والقاضي عياض، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأبناؤه وأحفاده وتلاميذهم، رحم الله الجميع.

وأما قول من قال: إن ذلك لا يحرم؛ وأن المراد بالحديث أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال لهذه المساجد الثلاثة، وأما غيرها فهو جائز وإن كان دونها في الفضيلة فهذا قول باطل، يدل على بطلانه ما يلي:

١ - أن الحديث جاء بلفظ النفي وبلفظ النهي، وجاء بصيغة الحصر، وجاء بلفظ: «لا ينبغي».

٢ - أنه يلزم على هذا القول جواز شد الرحال للقبور، وهذا يفضي إلى الغلو فيها وعبادتها، وعدم الاكتفاء بالزيارة الشرعية؛ إذ إن الرحال لا تشد للزيارة الشرعية؛ وإنما يفعل ذلك ضعاف الإيمان للدعاء عندها، أو دعاء أهلها، أو التمسح بها، أما الزيارة الشرعية فلا تحتاج - بحمد الله - إلى شد رحل.

٣ - أن أبا هريرة رضي الله عنه لما خرج إلى الطور أنكر عليه بصرة بن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه؛ فإنه قال له: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ … » الحديث (١).

٤ - أن الجاري على الأصول أن ما جاء بلفظ الحصر لا يخرج منه شيء إلا بنص صحيح يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ١٠٩) مطولًا، وأخرجه النسائي (٣/ ١١٣ - ١١٤)، وأحمد (٣٩/ ٥٦٧)، وهو حديث صحيح. انظر: "الإرواء" (٣/ ٢٢٦) (٤/ ١٤٢).
(٢) "أضواء البيان" (٦/ ٦٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>