للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأنه كان في المدينة، وحديث عائشة بعد ذلك في آخر حجة الوداع.

فهذا يفيد أن المكي يخرج إلى الحل إذا أراد العمرة، ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم، قال ابن قدامة: (لا نعلم في هذا خلافاً) (١). وقال المحب الطبري الشافعي: (لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة في حق المكي، بل عليه أن يخرج من الحرم إلى أدنى الحل) (٢).

الوجه الثامن: دل مفهوم قوله: «ممن أراد الحج أو العمرة» أن من مرَّ بهذه المواقيت قاصداً مكة، وهو لا يريد الحج أو العمرة، أنه لا يجب عليه الإحرام، وذلك كمن قصد مكة لحاجة من زيارة قريب أو تجارة أو مكي قدم من سفره، ونحو ذلك، وهذا قول الشافعية (٣)، ورواية عن الإمام أحمد، قال في «الفروع»: (وهي أظهر) (٤)، واختاره ابن حزم (٥).

والقول الثاني: يلزمه الإحرام بعمرة، بشرط ألا تكون حاجته متكررة، وهذا قول الحنفية، والمالكية، وبعض الشافعية، ورواية عن أحمد (٦)، واستدلوا بقول ابن عباس: (لا يدخل أحد مكة إلا محرماً) (٧).

والقول الأول أرجح؛ لقوة دليله، ولأن الإيجاب من الشارع، ولم يرد إيجاب في مثل هذه الحال، فنستصحب البراءة الأصلية حتى يقوم دليل ينقل عنها، ولأن المرور على الميقات ليس موجباً للإحرام، وإلا لبينه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولمّا سئل عن الحج: في كل سنة، أو مرة واحدة؟ قال: «بل مرة واحدة، فما زاد فهو تطوع» (٨)، ولم يقل: إلا أن تمر بالميقات، فعلم أن المرور بالميقات ليس سبباً للوجوب، والله تعالى أعلم.


(١) "المغني" (٥/ ٥٩).
(٢) "القِرى لقاصد أم القِرى" ص (٩٩).
(٣) "المجموع" (١/ ١٧).
(٤) (٣/ ٢٨١).
(٥) "المحلى" (٧/ ٢٦٦).
(٦) "المبسوط" (٢/ ١٦٧)، "الكافي" لابن عبد البر (١/ ٣٨١)، "المجموع " (٧/ ١١)، "الإنصاف" (٣/ ٤٢٧ - ٤٢٨).
(٧) أخرجه الشافعي (١/ ٣٠٢)، والبيهقي (٥/ ٣٠)، وقد روي مرفوعًا من وجهين ضعيفين، قاله الحافظ في "التلخيص" (٢/ ٢٦٠).
(٨) تقدم تخريجه قريبًا، وهذا لفظ أبي داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>