للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الخامس: أن هذه المواقيت لتلك البلاد ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، فلو مرَّ العراقي على ذي الحليفة أحرم منه، أو مر أحد من أهل اليمن بقرن المنازل أحرم منه، ولا يكلف أن يذهب إلى ميقاته، وهذا لا إشكال فيه، وهذا تسهيل آخر.

لكن الإشكال إذا مرَّ الشامي بذي الحليفة فهل يجب عليه أن يحرم منها أو له أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة باعتبار أنها أمامه؟.

فعند الشافعية والحنابلة يجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة (١)؛ لأنها ميقاته حيث مرَّ بها، فلم يجز تجاوزه بلا إحرام لمريد النسك، كسائر المواقيت.

وقالت الحنفية والمالكية: له أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة، إلا أن الأفضل أن يُحرم من ذي الحليفة (٢)، واستدلوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقَّت لأهل الشام الجحفة وهو أحرم من ميقاته، ولأن المقصود عدم تجاوز الميقات بلا إحرام، فإذا أحرم من أي ميقات فقد أدى ما عليه، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية (٣).

الوجه السادس: الحديث دليل على أن من كان أقرب من المواقيت إلى مكة فميقاته مكانه، مثل أهل الشرائع بالنسبة للسيل الكبير، أو أهل بدر أو مستورة بالنسبة لذي الحليفة، وكذا القرى الواقعة على الطريق السريع بين مكة والمدينة، وهذا تسهيل ثالث في أحكام المواقيت، فلا يلزمه أن يذهب إلى الميقات.

الوجه السابع: الحديث دليل على أن من كان في مكة، فإنه يُحرم منها ولا يخرج إلى الميقات، وظاهر الحديث أنه يحرم منها بالحج والعمرة.

لكن في حديث عائشة رضي الله عنها ما يدل على أنه يحرم بالعمرة من الحل، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن أبي بكر: «اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة» (٤). وفي رواية: «اذهب بأختك فأعمرها من التنعيم»، وحديث عائشة متأخر عن حديث


(١) "نهاية المحتاج" (٣/ ٢٥٢)، "المغني" (٥/ ٦٤).
(٢) "المبسوط" (٢/ ١٧٣)، "حاشية الخرشي" (٣/ ١٣٧).
(٣) "الاختيارات" ص (١١٧).
(٤) أخرجه البخاري (١٧٨٨)، ومسلم (١٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>