ابن خزيمة:(قد روي أخبار في ذات عرق أنه ميقات أهل العراق، ولا يثبت عند أهل الحديث شيء منها)(١).
فهذا يدل على أن هذا الحديث غير محفوظ، كما قرر كبار الأئمة في هذا الفن. ولو كان النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الذي حدد ذات عرق لاشتهر ذلك، كما اشتهر تحديد المواقيت الأخرى. وأيضاً لو وقع تحديدها لما احتاج عمر رضي الله عنه إلى تحديده لأهل العراق، ولا يقال: لعل ذلك من موافقات عمر رضي الله عنه؛ لأنه لو وقع تحديدها ما خفي ذلك على أحد من صحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وأما الحديث الثاني: فقد أخرجه مسلم (١١٨٣) من طريق أبي الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن المُهَلِّ؟ فقال:(سمعت (أَحْسَبه رَفَعَ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم) فقال: مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الأخرى الجحفة، ومهل العراق من ذات عرق … ) الحديث.
لكن شك الراوي - وهو أبو الزبير، كما ذكر القاضي عياض - في هذا الحديث: هل هو مرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ أم موقوف على جابر رضي الله عنه؟.
ومعنى (أحسبه): أظنه. وفي رواية: أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يُسأل عن المُهل؟ فقال: سمعت، ثم انتهى، فقال: أراه يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم. والمعنى: أنه انتهى عن تمام رفع الحديث. ثم قال: أُراه.
وقد ورد في ذات عرق عدة أخبار - كما تقدم عن الإمام مسلم وابن خزيمة ـ، والمحفوظ هو الحديث الثالث، وهو ما أخرجه البخاري في كتاب «الحج»، باب «ذات عرق لأهل المشرق»(١٥٣١) من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتِحَ هذان المصران أتوا عمر. فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدَّ لأهل نجد قرناً، وهو جَوْرٌ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شقَّ علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عرق.