للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الرابع: الحديث دليل على أن المحرم إذا كان به أذى من رأسه لقمل أو نحوه، فإنه يجوز له أن يحلق رأسه، ولا إثم عليه؛ لأنه حلق لعذر، ولكن يجب عليه الفدية، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: ١٩٦].

وقد جاءت السنة ببيان هذه الآية، وأن الصيام ثلاثة أيام، ولا يشترط فيها التتابع؛ لأن ما أطلقه الشرع عُمل به على إطلاقه، وأن الإطعام ثلاثة أصواع، لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك ذبح شاة يتصدق بها على الفقراء، وهذه الفدية على التخيير كما دل عليه القرآن، وأما حديث الباب فليس فيه التخيير إلا بين الإطعام والصيام، لكن جاء في رواية عند مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى: «فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة … » (١).

وقد رجح بعض العلماء، كابن حزم رواية ابن أبي ليلى؛ لأنها موافقة للقرآن في التخيير، وقال ابن عبد البر: (عامة الآثار عن كعب بن عجرة وردت بلفظ التخيير، وهو نص القرآن، وعليه مضى عمل العلماء في كل الأمصار وفتواهم، وبالله التوفيق) (٢).

الوجه الخامس: ظاهر الحديث أن فدية فعل المحظور حيث فُعِلَ؛ لأن قوله: «انسك شاة» عام غير مقيد بالحرم، فيدفعها إلى مستحقها في المكان الذي فعل فيه المحظور، وهذا بالنسبة إلى الشاة أو الإطعام، وهذا قول الإمام مالك، وأحمد (٣).

وقال الشافعي وأحمد في رواية: إن الفدية بمنزلة النسك، لا بد أن تكون لمساكين الحرم (٤)، وعند الشافعية قول ثالث، وهو جواز الذبح في غير الحرم بشرط أن يبلغ اللحم طرياً بحيث تقع تفرقته في الحرم، وينصرف إلى


(١) "صحيح مسلم" (١٢٠١) (٨٠).
(٢) "التمهيد" (٢/ ٢٣٨).
(٣) "مختصر خليل" ص (٧٢)، "المغني" (٥/ ٤٥٠).
(٤) "مغني المحتاج" (١/ ٥٣٠)، "تفسير القرطبي" (٢/ ٣٨٥)، "المغني" (٥/ ٤٥٠)، "الإنصاف" (٣/ ٥٣٢ - ٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>