وقوله:(وهزم الأحزاب) أي: غلبهم وكسرهم، (وحده) أي: بلا قتال من الناس، وفيه إيماء إلى قوله تعالى:{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[آل عمران: ١٢٦] والمراد بالأحزاب: القبائل الذين اجتمعوا حول المدينة وتحزبوا يوم الخندق، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}[الأحزاب: ٩]، وقال تعالى:{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}[الأحزاب: ٢٥].
الوجه الثامن عشر: قوله: (ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى … )، قوله:(حتى انصبت) في «صحيح مسلم»: (حتى إذا انصبت)(١)، وهذا فيه بيان كيفية السعي، وهو أنه إذا انتهى من الدعاء والذكر نزل من الصفا ماشياً متجهاً إلى المروة، فإذا انصبت قدماه في بطن الوادي، أي: انحدرت، سعى سعياً شديداً، وكان هذا الجزء من المسعى في الزمن السابق وادياً، أما الآن فالأرض كلها مستوية، وقد جُعل العلم الأخضر الأول والثاني علامة على ضفتي هذا الوادي، فيسعى بينهما سعياً شديداً، فإذا جاوزه مشى إلى المروة، وليس على المرأة أو حامل المعذور سعي شديد.
والحكمة من هذا السعي الشديد أنه كان وادياً، والوادي في الغالب يكون نازلاً، وقد كانت أم إسماعيل رضي الله عنها تمشي فيما بين الصفا والمروة، فإذا وصلت الوادي أسرعت في مشيها؛ لأن ابنها يغيب عنها إذا هبطت بطن الوادي.
الوجه التاسع عشر: قوله: (ففعل على المروة كما فعل على الصفا) أي: فيصعد المروة ويقول ما قاله على الصفا من الذكر والدعاء ثلاث مرات.
وعلى الإنسان أن يحرص على العمل بهذه السنن، ولا تأخذه العجلة فيترك الدعاء والذكر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر، ودعاء، وتلاوة القرآن، وينبغي للإنسان - وهو يسعى - أن يستشعر أنه في ضرورة إلى