للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - ما روى إبراهيم، عن الأسود: أن رجلاً قدم على عمر رضي الله عنه، وهو بجمع بعدما أفاض من عرفات، فقال: يا أمير المؤمنين، قدمت الآن، فقال: أما كنت وقفت بعرفات؟ قال: لا، قال: فأت عرفة وَقِفْ بها هنيهة، ثم أَفِضْ، فانطلق الرجل، وأصبح عمر بجمع، وجعل يقول: أجاء الرجل؟ فلما قيل: قد جاء، أفاض (١). فعمر رضي الله عنه صَحَّحَ حج من فاته المبيت بمزدلفة، ولم يأمره بدم (٢)، وهذا مبني على قول الجمهور في أن من ترك واجباً - كالمبيت - وجب عليه دم.

الوجه الخامس: استدل الإمام أحمد بهذا الحديث على أن يوم عرفة كله وقت للوقوف من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليلاً أو نهاراً»، فإن هذا يدل على شمول الحكم لجميع الليل والنهار، ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة، فكان وقتاً للوقوف كما بعد الزوال.

وذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن ما قبل الزوال من يوم عرفة ليس وقتاً للوقوف، وهو رواية عن الإمام أحمد (٣)، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. وحجتهم أن المراد بالنهار في هذا الحديث خصوص ما بعد الزوال، بدليل فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وفعل خلفائه من بعده، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن ما قبل الزوال غير داخل في قوله: «نهاراً» (٤)، وكأنه لم يستحضر رأي الإمام أحمد في ذلك، أو لم يطلع عليه.

وقول الجمهور قوي؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما وقف إلا بعد الزوال، وقد قال: «لتأخذوا مناسككم». وإن كان استدلال الإمام أحمد بالحديث له وجه من النظر - كما يقول الشنقيطي (٥) ـ لكن قول الجمهور، وهو عدم الاقتصار على أول النهار أحوط وأبرأ للذمة.

وفائدة الخلاف أنه لو وقف أول النهار ثم خرج من عرفة قبل الزوال


(١) أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح، واحتج به الإمام أحمد. انظر: "شرح العمدة" (٢/ ٦١٤).
(٢) المصدر السابق.
(٣) "الإنصاف" (٤/ ٢٩).
(٤) "الاستذكار" (١٣/ ٣٣).
(٥) "أضواء البيان" (٥/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>