للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يعد إليها، صح حجه وعليه دم، هذا على المذهب عند الحنابلة، وعلى قول الجمهور إذا لم يعد إليها في وقت الوقوف لم يصح حجه (١)؛ لأنه وقف قبل دخول وقت الوقوف.

الوجه السادس: اختلف العلماء في حكم الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الوقوف إلى الغروب ركن، فمن انصرف قبل غروب الشمس لم يصح حجه، وهذا قول الإمام مالك (٢)، وحجته حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج، فليحلَّ بعمرة، وعليه الحج من قابل» (٣)، فكأن الإمام مالكاً لما رأى تعليق الإدراك بالليل أخذ منه أنه لا بد منه حتى في حق من وقف نهاراً.

وقد نقل ابن قدامة عن ابن عبد البر أنه قال: (لا نعلم أحداً من فقهاء الأمصار قال بقول مالك) (٤).

والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية محمد بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ، ثم إنه لا دليل فيه؛ لأنه خصَّ الليل بالذكر لأن الفوات يتعلق به، لكونه يأتي بعد النهار، فمن لم يقف ليلاً فاته الحج؛ لأنه آخر وقت الوقوف.

والقول الثاني: أن من انصرف قبل الغروب صح حجه، ولكن عليه دم؛ لأنه ترك واجباً - على قاعدتهم في ترك الواجبات ـ، وهذا قول أبي حنيفة، وهو الصحيح من مذهب الإمام أحمد (٥)؛ لأنه ركن لم يأت به على الوجه المشروع، فلزمه دم، كما لو أحرم دون الميقات.

والقول الثالث: أن البقاء إلى الغروب سنّة، فمن تركه لم يجب عليه شيء، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، وحُكي رواية عن الإمام أحمد (٦)، وهو


(١) "مفيد الأنام" (٢/ ٣١٠).
(٢) "الاستذكار" (١٣/ ٢٩).
(٣) أخرجه الدارقطني (٢/ ٢٤١).
(٤) "المغني" (٥/ ٢٧٢).
(٥) "المبسوط" (٤/ ٥٦)، "المغني" (٥/ ٢٧٤)، "المبدع" (٣/ ٢٣٤)، "الإنصاف" (٤/ ٥٩).
(٦) "المجموع" (٨/ ١٠٢، ١١٩)، "الإنصاف" (٤/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>