للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قول ابن حزم، واختاره الشنقيطي (١) مستدلين بحديث الباب؛ لأن قوله: «أو نهاراً» يفيد أن من وقف نهاراً ودفع قبل الغروب: أنه تم حجه، والتعبير بلفظ التمام ظاهر في جواز ذلك، وأنه لا يُحتاج إلى جبره بالدم، وهذا استدلال واضح، ولأنه أدرك من الوقوف ما أجزأه، أشبه ما لو أدرك الليل منفرداً.

وهذا أظهر الأقوال، لقوة مأخذه، فإن حديث عروة بن مضرس تشريع عام للأمة، ولا تعارض بين القول والفعل، فيحمل فعله صلّى الله عليه وسلّم على الاستحباب، وعلى هذا فمن دفع من عرفة قبل الغروب فحجه تام، ولا شيء عليه، والقول بإيجاب الدم عليه ليس عليه دليل، بل قوله: «فقد تمَّ حجه» يرد هذا الإيجاب.

ولعل من قال بوجوب البقاء إلى الغروب رأى أن هذا الفعل وإن كان دالاً على الاستحباب لكن وجد قرائن تقوى الوجوب، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم رفيق بأمته حريص على ما ينفعهم ولا يشق عليهم، ولو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لفعله، لتتأسّى به الأمة، وهو القائل: «لتأخذوا مناسككم»، والدفع في النهار أسهل من الدفع بالليل لا سيما في الزمن الماضي.

ثم إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم دفع من عرفة قبل أن يصلي المغرب، مع أن وقتها قد دخل، فلو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لدفع وصلى المغرب في مزدلفة في أول وقتها.

ثم إن القرآن قد يدل على ذلك، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩]، أي: من عرفة، والمراد بالناس: من سوى قريش، وإفاضة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد الغروب قد تكون بياناً لما أمر الله به، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما أفاض بعد الغروب دل على أن إفاضة الناس التي أمر الله بها هي عين ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امتثالاً لأمر الله تعالى؛ لأن الإفاضة المأمور بها هي المعتبرة شرعاً (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) "المحلى" (٧/ ١١٨)، "أضواء البيان" (٥/ ٢٥٩ - ٢٦٠).
(٢) انظر: "شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢/ ٦٠٣)، "الشرح الممتع" (٧/ ٤١٨)، "المسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة" للدكتور إبراهيم الصبيحي ص (٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>