للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا ترمى إلا بعد الزوال لفعله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال: «لتأخذوا مناسككم» فيكون الرمي داخلاً في هذا العموم. وكونه صلّى الله عليه وسلّم رمى يوم النحر ضحى، ورمى أيام التشريق بعد الزوال دليل على اختلاف الحكم، وأن هذه عبادات لا مجال للرأي فيها، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كنا نتحيَّن، فإذا زالت الشمس رمينا) (١)، ثم لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما فيه من المبادرة بالعبادة في أول وقتها، ولما فيه من تطويل وقت الرمي، ولما فيه من التيسير على الناس، ولا سيما في أيام الصيف وشدة الحر، فإنه صلّى الله عليه وسلّم رفيق بأمته حريص على ما ينفعهم ولا يشق عليهم.

والقول بأن الرمي بعد الزوال في جميع أيام التشريق، هو قول الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة في الرواية المشهورة، وهو قول جمهور أهل العلم، ومنهم عطاء بن أبي رباح (٢)، قالوا: فمن رمى قبل الزوال وجب عليه أن يعيد؛ لأنه رمى قبل الوقت.

والقول الثاني: جواز الرمي قبل الزوال في يوم النفر، وهذا قول لأبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول إسحاق وعكرمة؛ لأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم بأن ينفر ويترك الرمي، فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى (٣).

والقول الثالث: جوازه قبل الزوال في جميع أيام التشريق، وهو أحد القولين عن عطاء (٤)، وبه قال طاوس، وروي عن أبي حنيفة في غير الرواية المشهورة (٥)، وقد روى الفاكهي بسنده (أنَّ ابن الزُّبير رَمَى قَبلَ


(١) رواه البخاري (١٧٤٦).
(٢) انظر: "الأم" للشافعي (٢/ ٢٣٤)، "التمهيد" (٧/ ٢٧٢)، "الاستذكار" (١٣/ ٢١٤)، "المنتقى" للباجي (٣/ ٥١)، "بدائع الصنائع" (٢/ ١٣٧)، "المغني" (٥/ ٣٢٨)، "فتاوى ابن عثيمين" (٢٢٧/ ٢٣).
(٣) "بدائع الصنائع" (٢/ ١٣٨).
(٤) "منسك عطاء" ص (١٨٢).
(٥) "بدائع الصنائع" (٢/ ١٣٧)، "العناية على الهداية" (٢/ ١٨٥)، "المغني، (٥/ ٣٢٨)، "فتح الباري" (٣/ ٥٨٠)، "أبحاث هيئة كبار العلماء" (٢/ ٣٦٥)، "مجلة البحوث الإسلامية" عدد (٧٢) ص (٣١٥)، "فتاوى ابن عثيمين" (٢٣/ ٢٧٠ - ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>