كتاب منحة العلام في شرح بلوغ المرام

باب صفة الحج ودخول مكة - بم يحصل التحلل الأول؟ - ج: 5 - ص: 335

معه، وورد بدونها، كما عند أبي داود، وأشار إليه الطحاوي (١)، والدارقطني (٢).

الوجه الثاني: استدل بحديث الباب فقهاء الشافعية - على تفصيل عندهم - والحنابلة في الصحيح المشهور في مذهبهم على أن التحلل الأول - ويسمى التحلل الأصغر - لا يحصل إلا برمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير (٣)، فمن رمى وحلق حلَّ له كل شيء من محظورات الإحرام من اللبس والطيب وتغطية الرأس، ونحو ذلك، إلا النساء، فإذا طاف طواف الإفاضة حلَّ له كل شيء حتى النساء، ويسمّى التحلل الأكبر، وهذا أحد قولي عمر رضي الله عنه.

والقول الثاني: أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط، وهذا مروي عن عمر، وعائشة، وابن الزبير رضي الله عنهم (٤)، وهو قول علقمة وعطاء وأبي ثور، وهو مذهب المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن قدامة (٥). واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (طيبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيديّ بِذَرِيرةٍ (٦) لحجة الوداع، للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت) (٧) فإن ظاهر قولها: (وحين رمى جمرة العقبة) يفيد أن الطيب حصل بعد الرمي.

كما استدلوا بحديث عائشة المذكور في هذا الباب من رواية أبي داود، وقد تقدم سياقها، وليس فيها إلا ذكر الرمي دون الحلق. كما استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «إذا رمى الجمرة فقد حلّ له كل شيء إلا النساء»،

---

(١) "معاني الآثار" (٢/ ٢٢٨).
(٢) "السنن" (٢/ ٢٧٦).
(٣) "المجموع" (٨/ ٢٢٤)، "المغني" (٥/ ٣٠٩).
(٤) روى ذلك ابن أبي شيبة في "مصنفه" (الجزء المفرد) ص (٢٤١ - ٢٤٢) بسند صحيح، وما ورد عن عمر -رضي الله عنه- من القولين رواه مالك (١/ ٤١٠) بسند صحيح.
(٥) "المصنف" ص (٢٤٢)، "المغني" (٥/ ٣١٠).
(٦) الذريرة: -بفتح الذال المعجمة-: فتات قصب طيب يجاء به من الهند. انظر: "أساس البلاغة" ص (١٤٣)، "فتح الباري" (١٠/ ٣٧١).
(٧) أخرجه أحمد (٤٣/ ١٩٠)، وأبو عوانة ص (٣٠٠ - القسم المفرد) من طريق روح بن عبادة: حدثنا ابن جريج، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة: أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة -رضي الله عنهما- قالت … الحديث.