للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الرابع: اختلف العلماء في حكم المبيت بمنى الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة من ليالي أيام التشريق على قولين بعد إجماعهم على أنه نسك:

الأول: أنه واجب من واجبات الحج، وهذا قول المالكية، وأحد القولين عند الشافعية، وقد اعتبره النووي هو الأصح، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (١)، واستدلوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم بات بها، وقال: «لتأخذوا مناسككم»، ولأنه صلّى الله عليه وسلّم رخص لعمه رضي الله عنه من أجل سقايته، ورخص لرعاة الإبل، والتعبير بالإذن كما هنا، وبالرخصة كما في رواية أخرى، يدل على وجوب المبيت، ولو كان المبيت غير واجب لما كان للترخيص في حق هؤلاء معنى. والواجب من ذلك معظم الليل، سواء من أول الليل أو من آخره.

والقول الثاني: أن المبيت بمنى سنّة، وهذا قول الحسن، وأبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، واختاره ابن حزم (٢)، وقال أبو حنيفة: يكره تركها، واستدلوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم بات بمنى، ولم يأمر بالمبيت بها.

وأجاب ابن حزم عن الإذن للرعاة والترخيص للعباس بأنه لا دليل فيه على الوجوب على غيرهم، إلا لو أنه تقدم من النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بالمبيت، ثم رخص لهؤلاء، فإنهم يكونوا مستثنين من سائر مَنْ أُمروا، أما إذا لم يتقدم أمر فيبقى غيرهم على الإباحة (٣).

ويترتب على هذا الخلاف: أن القائلين بالوجوب يُلزمون تاركه دماً على قاعدتهم في ترك الواجبات، وعلى أنه سنّة فلا شيء عليه، لكنه خالف سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد بات بها صلّى الله عليه وسلّم (٤)، والظاهر - والله أعلم - أنه حتى على القول بالوجوب لا يلزمه دم؛ لأن الشرع لم يرد فيه بشيء، قال الإمام أحمد فيمن


(١) انظر: "الاستذكار" (١٣/ ١٩٤)، "شرح صحيح مسلم" (٩/ ٦٩)، "المغني" (٥/ ٣٢٤)، "الإنصاف" (٤/ ٦٠).
(٢) انظر: "المحلى" (٧/ ١٨٤)، "الاستذكار" (١٣/ ١٩٥)، "الهداية" (١/ ١٥٠)، "المبسوط" (٤/ ٦٧ - ٦٨)، "المغنى" (٥/ ٣٢٤)، "الإنصاف" (٤/ ٦٠).
(٣) "المحلى" (٧/ ١٨٤ - ١٨٥).
(٤) "المغني" (٥/ ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>