للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: أجمع العلماء على أن المحصر إذا كان معه هدي لزمه نحره، وإنما اختلفوا فيما إذا لم يكن معه هدي: هل يلزمه شراؤه؟ على قولين:

الأول: وجوب الهدي عليه، وأنه يلزمه شراؤه، وهذا قول الجمهور (١)، لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي: فعليكم ما استيسر من الهدي، ووجه الدلالة: أنه عُلِّق ما استيسر من الهدي على الإحصار تعليق الجزاء على الشرط، فدل على لزومه بالإحصار لمن أراد التحلل به.

والقول الثاني: أنه لا هدي على المحصر إن لم يكن ساقه معه قبل الإحصار، وهذا قول مالك، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن القيم (٢). وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا ألفاً وأربعمائة (٣)، ولم يكن معهم كلهم هدي؛ بل كان هديهم سبعين بدنة. ولم ينقل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالهدي، وإنما أمرهم بالتحلل مطلقاً.

وعلى قول الجمهور إذا لم يجد المحصر هدياً صام عشرة أيام، ثم حلَّ قياساً على هدي التمتع، ولكن هذا فيه نظر من وجوه:

الأول: أن الصيام لم يذكر في القرآن.

الثاني: أن ظاهر حال الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أن فيهم الفقراء، ولم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر من لم يجد الهدي بالصيام، والأصل براءة الذمة.

الثالث: أن هدي التمتع هدي شكر للجمع بين النسكين، وهذا حُرِم من نسك واحد، فكيف يقاس هذا على هذا؟ فالظاهر أنه إن كان معه هدي ذبحه، كما تدل عليه الآية وفعل الصحابة رضي الله عنهم، وإلا فلا شيء عليه (٤)، ويجزئ ذبح


(١) "المغني" (٥/ ١٩٦).
(٢) "الإنصاف" (٤/ ٦٨)، "أضواء البيان" (١/ ١٩٧).
(٣) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ٢٨٧).
(٤) انظر: "الشرح الممتع" (٧/ ٤٤٧ - ٤٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>