للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن عبد الهادي: (الذي يظهر أن حديث ابن مسعود في هذا الباب بمجموع طرقه له أصل، بل هو حديث حسن يحتج به، لكن في لفظه اختلاف) (١).

° الوجه الثاني: الحديث دليل على أنه إذا حصل خلاف بين البائع والمشتري، وليس لدى أحدهما بينة فإن القول قول البائع، ومن صور الاختلاف: الاختلاف في قدر الثمن، بأن يقول البائع: بعتها عليك بمائة ريال، ويقول المشتري: بل بثمانين، ولا بينة، فالقول قول البائع، وهو رب السلعة، "أو يتتاركان" أي: يتفاسخان؛ لأن اختلافهما يمنع تقدير العوض، فكأنه بيع لم يقدر فيه العوض.

وظاهر الحديث أن القول قول البائع بدون يمينه، وهذا قول الشعبي، وحكاه ابن المنذر عن الإمام أحمد، كما قال ابن قدامة (٢). وذلك لأن السلعة كانت للبائع، والأصل بقاء ملكه عليها، والأصل براءة ذمة المشتري من الثمن، فيبقى الأمر على ما كان: السلعة لصاحبها، لا تخرج منه إلا برضاه.

والقول الثاني: أنهما يتحالفان، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر" (٣)، وكل منهما مدعٍ ومنكر، فإن البائع مدَّع أن الثمن مائة، ومنكِر أنه ثمانون، والمشتري مدع أنه ثمانون ومنكر أنه مائة، وعلى هذا فالقول باليمين مستفاد من دليل آخر، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ومالك في رواية، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد (٤).

والقول الأول أرجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه مؤيد بظاهر الحديث إذا قلنا بتحسينه، ولأن البائع غارم، فلا يمكن أن تخرج السلعة من ملكه إلا بثمن يرضاه، فإما أن يقبل المشتري بذلك، وإما أن يفسخ البيع، ولا حاجة للتحالف (٥)، والله تعالى أعلم.


(١) "التنقيح" (٢/ ٥٦١)، وانظر: "شرح علل الترمذي" (١/ ٢٣).
(٢) "المغني" (٦/ ٢٧٩).
(٣) أخرجه البيهقي (١٠/ ٢٥٢)، بإسناد صحيح على ما قاله الحافظ، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام عليه في موضعه.
(٤) "المغني" (٦/ ٢٧٨)، "الإنصاف" (٤/ ٤٤٥).
(٥) انظر: "نظرية العقد" لابن تيمية ص (١٦٦، ١٦٧)، "الشرح الممتع" (٨/ ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>