للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب، ولا يجب على صاحبه بذله إلا لمضطر. ومن مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال التسامح في ذلك وبذل الماء للناس من عين أو بئر إذا لم يكن ضرر، وقد ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ" (١)، وفسَّر سفيان بن عيينة الحديث بقوله: (يكون حول بترك الكلأ، فتمنعهم فضل مائك، فلا يعودون أن يرعوا) (٢). ووجه هذا النهي أن العرب كانت تمنع فضل الماء لا لشحّ بالماء، ولكن لئلا ينزل عندهم بغنمه أو إبله فيأكل من الكلأ، فيمنعونه من فضل الماء لئلا ينزل بقربهم، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؛ لأن في المنع عن فضل الماء منعًا عن فضل الكلأ، ولا يجوز شيء من ذلك.

ومما يؤيد المنع من بيع الماء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الناس شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار"، وسيأتي الكلام عليه مع مزيد بحث -إن شاء الله- في باب "إحياء الموات".

° الوجه الرابع: الحديث دليل على النهي عن بيع ضراب الفحل وأخذ الأجرة عليه، ووجوب بذله مجانًا، وهذا مذهب الجمهور؛ لأنه مما ينبغي التعاون والتسامح فيه بين الناس، وبذله ابتغاء وجه الله تعالى، لا لغرض من أغراض الدنيا.

وقد علل الفقهاء المنع بأنه معدوم عند العقد، وغير مقدور على تسليمه، فإن صاحبه عاجز عن ذلك، قال ابن القيم: (إن النهي عن بيع عسب الفحل من محاسن الشريعة وكمالها، فإن مقابلة ماء الفحل بالأثمان وجعله محلًّا لعقود المعاوضات مما هو مستقبح ومستهجن عند العقلاء) (٣). والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه البخاري (٢٣٥٣)، ومسلم (١٥٦٦).
(٢) "المسند" (١٢/ ٢٧٦).
(٣) "بدائع الصنائع" (٥/ ١٣٩)، "الخرشي على خليل" (٥/ ٧١)، "مغني المحتاج" (٥/ ٣٠)، "المغني" (٦/ ٣٠٢)، "زاد المعاد" (٥/ ٥٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>