للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للبادي، وهم المالكية والحنابلة في المشهور عندهم، وهو قول الظاهرية (١).

ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع الحاضر للبادي، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وعليه فيكون البيع باطلًا؛ لأنه بيع محرم من إنسانٍ منهي عنه.

وذهبت الحنفية والشافعية وبعض المالكية إلى صحة بيع الحاضر للبادي، وهو رواية عن الإمام أحمد (٢)، وقالوا: إن النهي يعود إلى معنى في غير البيع، وهو الإضرار بأهل البلد، والنهي إذا عاد إلى غير المنهي عنه فإنه لا يوجب بطلان العقد.

واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حق المسلم على أخيه: "وإذا استنصحك فانصح له" (٣). قالوا: هذا حديث عام، ناسخ لأحاديث النهي عن بيع الحاضر للبادي؛ لأن النهي إنما كان أول الإسلام؛ لما كانوا عليه من الضيق في ذلك.

وهذا استدلال ضعيف، لأمرين:

١ - أن دعوى النسخ لا تثبت بالاحتمال، بل لا بد من دليل.

٢ - أن أحاديث النصيحة وإن كانت عامة، إلا أنها مُخَصَّصَةٌ بأحاديث النهي عن بيع الحاضر للبادي.

وعلى هذا فالقول الأول هو الأظهر لقوة دليله، وهو ألا يبيع الحاضر للبادي، بل يُترك القادم يبيع سلعته بما يكفيه، والغالب أنه لا يستقصي جميع قيمتها، فيحصل بذلك السعة على المشترين، ويؤيد ذلك أمران:

الأول: أن القول بصحة البيع فيه إضرار بأهل البلد في التضييق عليهم.

الثاني: أن الحاضر قد لا يكون صادقًا مع البادي في إخباره بالسعر الحقيقي للسلعة مما قد يؤدي إلى الإضرار به.


(١) "المحلى" (٨/ ٤٥٣)، "المغني" (٦/ ٣٠٨).
(٢) "الهداية" (٣/ ٥٣)، "المنتقى" (٥/ ١٠٤)، "المهذب" (١/ ٢٩٢).
(٣) أخرجه مسلم (٢١٦٢) (٥)، وعلقه البخاري "فتح الباري" (٤/ ٣٧٠) بلفظ: اإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له".

<<  <  ج: ص:  >  >>