للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثمن كالنصف - مثلًا - لصاحب النصف الثاني، فهذا التقويم نوع من التسعير للضرورة، إذ لو تُرك الشريك يتحكم لطمع في ظلم أخيه وإيذائه، والمعتق عمل عملًا يحبه الله، فلا ينبغي أن يضيق عليه ويؤذى.

كما استدلوا بما تقدم من النهي عن بيع الحاضر للبادي، لىلا يزيد الثمن إذا باعها الحاضر عليهم.

وهذا القول هو الراجح، وقد فصّل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في التسعير تفصيلًا وافيًا، وهذه خلاصته:

التسعير منه ما هو ظلم، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم ما يحرم عليهم من أخذ الزِّيادة على عوض المثل، فهذا جائز بل واجب.

وقد يحصل ذلك في الغالب من فئة خاصة كالجزارين والخبازبن ونحوهم، فيتفقون على إغلاء الأسعار بلا موجب، على ألا يبيعوا إلَّا بكذا، وهو شيء زائد على المعتاد، فلولي الأمر أن يمنعهم من ذلك، ويسعر لهم.

وهذا لا يعارض حديث الباب؛ لأنه ليس لفظًا عامًّا، بل جاء في قضية معينة هي غلاء السعر في المدينة لقلة الجلب إليها (١)، قال ابن العربي: (وما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - حق، وما فعله حكم، لكن على قوم صح ثباتهم، واستسلموا لربهم، وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق عليهم، فباب الله أوسع، وحكمه أمضى) (٢).

ولا بد من أن يستند التسعير إلى دراسات منضبطة، قائمة على أسس


(١) انظر: "الحسبة" ص (٢٣)، "الطرق الحكمية" ص (٢٥٢).
(٢) "عارضة الأحوذي" (٦/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>