للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واعلم أن الإِمام مسلمًا -رحمه اللهُ - ذكر هذا الحديث في كتاب "الإيمان، ليبين - والله أعلم - أن الغش سبب في نقص الإيمان الواجب، الذي يستحق به صاحبه الثواب المطلق بلا عقاب، ولا يعني هذا أنَّه يخرج من الإيمان، كما تقول الخوارج، بل الصواب أن الاسم المضمر في قوله: "منا" ينصرف إطلاقه إلى المؤمنين الإيمان الواجب الذي به يستحقون الثواب بلا عقاب، ومن أخل بشيء من ذلك لم يجب أن يكون من غيرهم مطلقًا، بل معه من الإيمان ما يستحق به مشاركتهم في بعض الثواب، ومعه من الكبيرة ما يستحق به العقاب،

كما يقول من استأجر قومًا ليعملوا عملًا، فعمل بعضهم بعض الوقت، فعند التوفية يصلح أن يقال: هذا ليس منا، فلا يستحق الأجر الكامل، وإن استحق بعضه (١).

• الوجه الثالث: الحديث دليل على تحريم الغش في البيع والشراء، وأن الواجب على من يتعاطى البيع والشراء أن يتقي الله، وأن ينصح في المعاملة، وأن يحذر الخيانة والغش، فالغش مجمع على تحريمه شرعًا، ومذموم فاعله عقلًا.

وقد حرم الإسلام كتم العيب؛ لأن البائع قد يعرف بسلعته عيبًا ولا يقوم بأي وسيلة من وسائل الغش لإخفائه، ولكنه لا يبينه للمشتري، بل يترك الأمر في كشف العيب لاجتهاد المشتري، وهذا لا يجوز، ومثل ذلك لو كان الغش في الثمن، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البائع والمشتري: "فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" (٢).

وعن عقبة بن عامر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم، لا يحل لامرئ مسلم أن يغيِّب ما بسلعته عن أخيه، إن علم بها تركها" (٣).


(١) "الفتاوى" (١٩/ ٢٩٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢١١٠)، ومسلم (١٩٧٣).
(٣) أخرجه أحمد (٢٨/ ٦٥٣، ٦٥٤)، وابن ماجة (٢٢٤٦)، وحسنه الحافظ في فتح الباري" (٤/ ٣١١)، وعلقه البخاري (٤/ ٣٠٩ فتح) عن عقبة بلفظ: "لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبره".

<<  <  ج: ص:  >  >>