للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} لأنها أقرب إلى الأرجل من الوجوه، والعطف على الأقرب معروف في لغة العرب، والمراد بذلك المسح على الخفين على أحد الأوجه التي قيلت في قراءة الجر؛ لأن جميع من وصفوا وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذكروا أنه كان يمسح رجليه بدون أن يكون عليهما خف، بل كان يغسلهما، فتعين حملها على مسح الخفين، كما بينته السنة، وبذلك يتم ثبوت المسح بالقران، وهو أحسن الوجوه التي توجه بها قراءة الجر، كما قال الصنعاني (١).

وأما السنة فقد ثبت جواز المسح على الخفين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولاً وفعلاً، حضراً وسفراً، وبلغت الأحاديث في ذلك حد التواتر، فقد نقل ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: (حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه مسح على الخفين) (٢)، وذكر أبو القاسم بن منده في «تذكرته» من رواه فبلغ ثمانين (٣)، وكذا ذكرهم ابن الملقن وبلَّغهم ثمانين (٤)، ومن هؤلاء الرواةِ العشرةُ المبشرون بالجنة، ونقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال: (ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز) (٥)، ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد قوله: (ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما رفعوا إلى النبي، وما وقفوا) (٦).

والمسح على الخفين من الرخص الدالة على كمال الدين الإسلامي ويسر تشريعاته، وبُعدها عن الحرج، فإن الإنسان يحتاج للمسح على الخفين، لا سيما في فصل الشتاء، وفي البلاد الباردة.

واعلم أن بعض العلماء قد ذكر موضوع المسح على الخفين في كتب العقائد مثل الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي رحمه الله في «العقيدة الطحاوية»، مع أن المسح على الخفين من المسائل العملية، وليس من المسائل العلمية، وذلك لأمرين:


(١) "سبل السلام" (١/ ١٠٦).
(٢) "الأوسط" (١/ ٤٣٠).
(٣) "التلخيص" (١/ ١٦٧).
(٤) "شرح العمدة" لابن الملقن (١/ ٦١٥).
(٥) "الأوسط" (١/ ٤٣٤).
(٦) "المغني" (١/ ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>