للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° الوجه الرابع: الحديث دليل على نهي المتعاقدين عن التفرق والهرب من مجلس العقد لأجل أن يلزم العقد، بل ينبغي التريث وعدم العجلة؛ لأن هروبه تحيل على إسقاط حق الغير الواجب، فإن أخاه قد يندم على البيع، وهو قد يندم أيضًا، فلا حاجة إلى العجلة، والمسلم أخو المسلم، لا ينبغي له أن يعجل بشيء قد يحرم أخاه من مصلحته، بل ينتظر حتى يقوم القيام المعتاد. وإذا هرب أحدهما فقد اختلف العلماء على ثلاثة أقوال:

الأول: يلزم العقد، وينقطع الخيار؛ لأنه فارقه باختياره، ولأنه متمكن من الفسخ بالقول، وهذا قول الحنابلة، وقول عند الشافعية، صححه النووي (١).

والقول الثاني: أنه يبقى الخيار ولا ينقطع، معاملةً له بنقيض قصده.

والقول الثالث: التفصيل وهو أنه إن تمكن أن يتبعه ولم يتبعه بطل خيارهما؛ لأن تاخره عن اللحاق به رِضًى بالتفرق، وإن لم يتمكن بطل خيار الهارب، وبقي خيار الآخر (٢).

° الوجه الخامس: ورد عن نافع أنه قال: (وكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه)، وفي لفظ: (فكان ابن عمر إذا بايع رجلًا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيهة ثم رجع إليه) (٣)، وقد حمله العلماء على أن ابن عمر - رضي الله عنهما - لم يبلغه حديث النهي هذا، ولو بلغه لما خالفه، ذكر هذا ابن قدامة (٤)، وبه جزم الحافظ في "التلخيص" (٥)، ولا ريب أن السنة إذا صحت لم يجز أن تُعارض باجتهاد صحابي ولا غيره؛ لأن الصحابي قد يخفى عليه الحديث، وقد يجتهد، فإذا ثبتت السنة وجب الرد إليها، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]، والله تعالى أعلم.


(١) "المغني" (٦/ ١٣)، "المجموع" (٩/ ١٨٢).
(٢) "المجموع" (٩/ ١٨٢)، "خيار المجلس والعيب" ص (٨٦).
(٣) أخرجه البخاري (٢١٠٧) واللفظ الأول له، ومسلم (١٥٣١) (٤٥) والثاني له.
(٤) "المغني" (٦/ ١٥).
(٥) (٣/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>