للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا شغل عن القيام بالواجبات كالجهاد ونحوه من الأمور المطلوبة، وقد بوّب البخاري رحمه الله فقال: (باب ما يُحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أُمِرَ به)، وبوَّب قبل ذلك فقال: (باب فضل الزرع والغرس إذا أُكِلَ منه) (١)، فأحاديث الذم محمولة على الاستكثار والاشتغال بالدنيا عن أمور الدين، وأحاديث الإباحة محمولة على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها.

* الوجه السادس: الحديث دليل على أن إقبال الناس على البيع والشراء والزراعة وإعراضهم عن الجهاد من أسباب الذل وطمع الأعداء، كما وقع من أزمان طويلة وقرون متعددة، وأعظم ذلك ما وقع في زماننا هذا.

والواجب على أهل الإسلام أن تعلو همتهم، وأن يشمروا إلى الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته، ونصرة دينه، وقهر أعدائه، وألا يشغلهم عنه شاغل، وما ضعف المسلمون وتسلط عليهم الأعداء إلا يوم تركوا الجهاد، وقد جاء في حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأَكَلَةُ إلى قَصْعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهَنَ"، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت"، وفي رواية: "وكراهيتكم القتال" (٢). والله تعالى أعلم.


(١) انظر: "فتح الباري" (٥/ ٣ - ٤).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٢٩٧)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ١٨٢)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٦/ ٥٣٤)، من طريق أبي عبد السلام صالح بن رستم الهاشمي الدمشقي، عن ثوبان - رضي الله عنه - مرفوعًا. وأبو عبد السلام، قال عنه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (٤/ ٤٠٣): (مجهول لا نعرفه)، وقال الذهبي في "الميزان" (٢/ ٢٩٥): (روى عنه الثقات، فخفت الجهالة) على أنه لم يتفرد به، فقد تابعه أبو أسماء الرحبي، عن ثوبان .. أخرجه أحمد (٣٧/ ٨٢) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ٢٨٧): (هذا سند جيد) لكن المحفوظ وقفه، كما في "العلل" (١١/ ١٥١) للدارقطني، وقد أخرجه أحمد -أيضًا- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (١٤/ ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>