للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الوجه الثالث: الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يعتاض عن الشفاعة شيئًا، بل ينبغي أن تكون الشفاعة وقضاء حاجة الآخرين لله تعالى، من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب الإحسان، وهذا من أخلاق المسلمين الجميلة، ومن صفاتهم الحميدة، فمن وفّقه الله تعالى لقضاء حوائج إخوانه المسلمين فلا ينبغي له أن يقبل مكرمة مقابل ذلك ليخلص العمل لله تعالى، ويرجو ثوابه وجزاءه. قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: ٨٥]، والمعنى: أن من سعى في أمر ترتّب عليه خير كان له نصيب من ذلك الخير عند الله تعالى.

وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة، قال: "اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء"، وفي رواية: "ما أحبَّ" (١).

وعلى هذا فمن شفع لأخيه أن يواسَى فقره، أو يعفى من ضريبة، أو يقضى دينه، أو شفع في أمور أخرى مما أباح الله، ثم أهدى له هذا المشفوع له، فلا ينبغي أن يقبل ذلك، يقول أبو الحارث: إن أبا عبد الله -يعني: الإمام أحمد- سئل عن الرجل يسأله الرجل حاجة فيسعى فيها، فيكافئه على ذلك بلطفه، ويهدي له، ترى له أن يقبلها؟ قال: (إذا كان شيء من البر وطلب الثواب كرهت له ذلك) (٢). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما الهدية في الشفاعة مثل أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة، أو يوصل إليه حقه، أو يوليه ولاية يستحقها، أو يستخدمه في الجند المقاتلة -وهو مستحق لذلك-، أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء … ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرم فهذه -أيضًا- لا يجوز فيها قبول الهدية، ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه، هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر، وقد رخص


(١) أخرجه البخاري (٦٠٢٧)، ومسلم (٢٦٢٧).
(٢) "الآداب الشرعية" (١/ ٢٩٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>