للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعض المتأخرين من الفقهاء في ذلك، وجعل هذا من باب "الجعالة" (١)، وهذا مخالف للسنة وأقوال الصحابة والأئمة، فهو غلط … ؛ لأن المصالح العامة يكون القيام بها فرضًا إما على الأعيان وإما على الكفاية … ) (٢). وعلى هذا فالهدية للأمير أو العامل أو القاضي لا تجوز لهذا المعنى، ولأن له من رزق بيت المال ما يكفيه. وإذا شفع الإنسان لغيره في أمر من الأمور، فله ثلاث حالات:

الأولى: أن يشفع لغيره بتحصيل شيء واجب أو يدفع مظلمة فهذه شفاعة واجبة من القادر عليها، فيحرم أخذ شيء عليها. يقول الحافظ ابن رجب: (الهدية لمن يشفع له شفاعة عند سلطان ونحوه لا تجوز، ذكره القاضي، وأومأ إليه أحمد؛ لأنها كالأجرة، والشفاعة من المصالح العامة، فلا يجوز أخذ الأجرة عليها، وفيه حديث صريح في السنن … ) (٣). وتقدم في كلام أبي الحارث أن الإمام أحمد يرى الكراهة، ولعل المراد: كراهة التحريم، ليتفق ذلك مع ما نقله عنه ابن رجب، والله أعلم.

ويرى ابن حزم الظاهري: (جواز قبول الهدية ممن نُصر في حق أو رفع عنه ظلم؛ لأنه من جملة شكر المنعم، وهدية بطيب نفس، ولا نعلم قرآنًا ولا سنة في المنع … ) (٤). وهذا رأي الغزالي، إلا أن الغزالي يرى الجواز والقياس على الجعالة إذا كان العمل فيه سعي وتَعَبٌ، وإلا فيحرم أخذ الهدية؛ لأنه عوض عن الجاه.

وكلام ابن حزم له حظ من النظر؛ لعدم قوة الحديث، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنها من باب ردِّ المعروف، وليس فيها أيُّ تواطؤ. ويمكن حمل كلام الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية على الهدية مقدمًا، أو جعلها كالأجرة. أما إذا كان الشافع أخلص في ذلك والمشفوع له أهدى إحسانًا منه، فما المانع من ذلك؟


(١) انظر: "إحياء علوم الدين" (٢/ ١٥٥)، "الآداب الشرعية" لابن مفلح (١/ ٢٩٩).
(٢) "الفتاوى" (٣١/ ٢٨٦، ٢٨٧).
(٣) "القواعد" (٣/ ١٠١).
(٤) "المحلى" (٩/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>