وقوله - صلى الله عليه وسلم - هنا:"أينقص الرطب إذا يبس؟ "، هذا السؤال لا يقصد منه المعرفة؛ لأن مسألة نقصان الرطب إذا يبس جلية مستغنية عن الاستكشاف؛ لأن من المعلوم لكل عاقل أن الرطب ينقص إذا يبس، لزوال الرطوبة الموجبة لزيادته وثقله. وإنما قصد - صلى الله عليه وسلم - بذلك بيان مناط الحكم ووجه العلة بتحريم البيع، وهذا يحصل به اقتناع السائل بوقوفه على علة النهي.
وقد حمل بعض العلماء هذا الحديث على ما إذا كان الرطب مقطوعًا على الأرض، وقالوا: ليس هذا من المزابنة؛ لأنه لم يرد في تفسيرها كما تقدم، فإن كان التمر على رؤوس النخل فهو بيع المزابنة كما مضى، وقد يكون هذا غرض الحافظ من ذكر حديث سعد - رضي الله عنه - بعد حديث المزابنة، والله تعالى أعلم.
* الوجه الثالث: يستدل بهذا الحديث علماء الأصول على نوع من أنواع مسالك العلة، وهو إثبات العلة بالأدلة النقلية بطريق التنبيه والإيماء، وهو أن يذكر الشارع مع الحكم وصفًا لو لم يعلل الحكم بهذا الوصف لكان ذكره في الكلام لغوًا لا فائدة فيه، فيعلل الحكم به صيانة لكلام الشرع عن اللغو، وذلك أن السؤال عن نقصان الرطب باليبس لو لم يقدر التعليل به، وأنه سبب المنع من بيع الرطب بالتمر ما دام أن الرطب ينقص عند اليبس لكان السؤال عنه غير مفيد؛ لأنه أمر ظاهر، كما تقدم، والله تعالى أعلم.