للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:

قوله: (لو كان الدين بالرأي .. ) المراد بالدين: أحكام الإسلام، والمراد بالرأي: ما يراه الإنسان صالحاً من غير نظر إلى الشرع، والمعنى: لو كان مأخذ الأحكام الشرعية بمجرد العقل لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه؛ لأن الأسفل يلاقي الأقذار والنجاسات، ولكن الواجب تقديم النقل الصحيح على الرأي، ولعل هذا مراد به ظاهر الرأي، وإلا فإن العقل يدل على أن الأولى مسح الأعلى فقط؛ لأن هذا المسح لا يراد به التنظيف، وإنما يراد به التعبد، ولا يمسح الأسفل؛ لأن مسحه تلويث له ولليد.

والعقل الكامل تابع للشرع؛ لأنه عاجز عن إدراك الحِكَمِ الإلهية، فعليه بالانقياد والتعبد المحض بمقتضى العبودية، وهذا هو العقل السليم من مرض الشبهة ومرض الشهوة، وما ضَلَّ من ضَلَّ من الكفرة والحكماء والمبتدعة وأهل الأهواء إلا بمتابعة العقل وترك موافقة النقل.

قوله: (وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم … ) هذا كالتعليل لمحذوف يفهم من الكلام، والتقدير: لكنَّ أسفل الخف ليس أولى بالمسح؛ لأني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسح على أعلى الخفين فقط.

الوجه الثالث: حديث علي رضي الله عنه دليل على محل المسح وأنه يكون على أعلى الخف دون أسفله.

أما حديث المغيرة فقد تقدم أنه حديث ضعيف مُعَارَضٌ بما هو أصح منه، قال ابن القيم: (وكان صلّى الله عليه وسلّم يمسح ظاهر الخفين، ولم يصح عنه مسح أسفلهما إلا في حديث منقطع، والأحاديث الصحيحة على خلافه) (١).

الوجه الرابع: أن مشروعية مسح الخف ليست من العمل بالرأي وإنما هي توقيفية لا تظهر فيها مناسبة إلا مجرد التخفيف والتيسير، فيتوقف فيه على ما شرع، وقد شرع المسح على ظاهر الخف دون أسفله.


(١) "زاد المعاد" (١/ ١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>