للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما ما كان بفعل الآدمي فيطالب به الجاني، إلا أن العلماء اختلفوا في اعتبار الجيش الذي ينهب الثمار جائحة أم لا؟ والراجح اعتبار ذلك جائحة، وهو قول أكثر المالكية وأحد الوجهين عند الحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (١)؛ لأن الجيوش هم خلق الله يسلطهم على من يشاء، كالجراد وسائر الآفات، ولأن العبرة بإمكان الضمان وعدمه، والجيوش في العادة يستحيل تضمينها.

وأما السرقة فلا تعتبر جائحة على الراجح من قولي أهل العلم (٢).

قوله: (بم تأخذ مال أخيك) هذا استفهام إنكاري، لقوله: "فلا يحل لك" وذلك لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري شيء في مقابل ما دفعه، وحذفت ألف (ما) الاستفهامية لدخول حرف الجر عليها، كقوله: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [الحجر: ٥٤]، وعلة الحذف كثرة الاستعمال، وما كثر استعماله التُمِسَ تخفيفه.

قوله: (أمر بوضع الجوائح) مادة (وضع) تدل على الخفض للشيء وحَطِّه، والمراد هنا حَطُّ البائع بعض الثمن عن المشتري إذا تلف بعض الثمرة بما لا يستطاع دفعه، أو حطه كله إذا تلفت كلها به.

* الوجه الثالث: الحديث دليل على وضع الجائحة، بمعنى: أن الثمار المبيعة إذا تلفت بجائحة، كمطر أو بَرْد أو بَرَدٍ، فهي من مال البائع، لا من مال المشتري، وهذا قول المالكية والحنابلة، وهو قول الشافعي في القديم، وجماعة من السلف (٣)، ووجه الاستدلال بحديث الباب من ثلاثة أوجه:

١ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى حِلَّ أَخْذِ شيءٍ من مشتري الثمرة إذا أصابتها جائحة.

٢ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكد حرمة أخذ مال المشتري بصيغة الاستفهام الإنكاري، ووصفه بأنه غير حق.


(١) "شرح الخرشي" (٥/ ١٩٣)، "الشرح الكبير" (١٢/ ١٩٧)، "الفتاوى" (٣٠/ ٢٧٨).
(٢) "الجوائح وأحكامها" ص (٣٥).
(٣) انظر: "بداية المجتهد" (٣/ ٣٥٧)، "المغني" (٦/ ١٧٧)، "مغني المحتاج" (٢/ ٩١ - ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>