للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - أنه أمر أمرًا صريحًا بوضع الجوائح، والأمر يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على صرفه عن الوجوب، ولم يوجد شيء من ذلك.

ولا فرق عند القائلين بوضع الجوائح بين قليل الجائحة وكثيرها؛ لأن الأحاديث في وضع الجائحة عامة، فلا يجوز تقييدها بمجرد الرأي، إلا ما جرت العادة بتلف مثله، كالشيء اليسير الذي لا ينضبط كشجرة أو شجرتين -مثلًا- لأن مثل هذا لا يسمى جائحة لا لغة ولا شرعًا، أما ما ينضبط كالثلث أو الربع -مثلًا- فيوضع؛ لأنه يصدق عليه أنه جائحة في اصطلاح الفقهاء، وإن أشكل في هذا شيء يرجع إلى العرف.

لكن لو تأخر المشتري في جذاذ النخل -مثلًا- عن وقته المعتاد فأصابته جائحة بمطر -مثلًا- فهو من ضمانه، لا من ضمان البائع؛ لتفريطه بترك نقل الثمرة في وقت نقلها مع قدرته، وهذا قول القاضي (١).

والقول الثاني: أنه لا توضع الجوائح، فالثمار المبيعة إذا تلفت تكون من ضمان المشتري، لا من ضمان البائع، لكن يستحب للبائع أن يضع عن المشتري، وهذا قول الحنفية، والشافعي في الجديد، وابن حزم، وبعض السلف (٢)، واستدلوا بحديث أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تُزْهِيَ، فقيل له: وما تزهي؟ قال: "حتى تحمرّ"، فقال: "أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " وتقدم.

ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها لحفظ مال المسلم من التلف، ولو كان الأمر بوضع الجوائح للوجوب لما كان لهذا النهي معنى، فدل ذلك على عدم وجوب وضع الجوائح.

كما استدلوا بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها فكثر دَينه، فأفلس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) "المغني" (٦/ ١٨٠)، "مجموع الفتاوى" (٣٠/ ٢٨١).
(٢) انظر: "بدائع الصنائع" (٥/ ٢٤٧)، "مغني المحتاج" (٢/ ٩١، ٩٢)، "المحلى" (٨/ ٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>