للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° الوجه الثالث: الحديث دليل على استحباب مساعدة المدين وإعانته، وذلك بالصدقة عليه؛ لأن الدين من أهم الواجبات التي يسعى المسلم للتخلص منها، ومن تصدق على أخيه المدين فقد سعى في تخليص ذمته من المطالبة المستقبلة، أو من الإثم اللاحق بتأخير الأداء عند الإمكان إن كان وقع ذلك (١).

ويجوز إعطاء المدين من الزكاة إذا كان عاجزًا عن وفاء دينه، لعموم قوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: ٦٠] أي: المدينين العاجزين عن الوفاء، ولعموم قوله هنا: "تصدقوا عليه" فإن الزكاة صدقة، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣].

° الوجه الرابع: الحديث دليل على أنه يجب على المدين المفلس أن يسلم إلى الغرماء جميع ماله، ما لم يقض دينهم، لقوله: "خذوا ما وجدتم" وقد أخذ بظاهر الحديث شريح ومالك والشافعي، فقالوا: تباع داره التي يسكنها، ويكتري بدلها، واختاره ابن المنذر، لعموم "خذوا ما وجدتم"، وهذا مما وجدوا، ولأنه عين مال المفلس، فوجب صرفه كسائر ماله.

وذهب أبو حنيفة وأحمد وإسحاق (٢) إلى أنه لا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها؛ لأنها بثيابه وقوته أشبه، وأما قوله: "خذوا ما وجدتم" فالظاهر أنه ليس على عمومه، وإنما معناه: خذوا ما وجدتم مما تصدق به عليه؛ لأنه المذكور قبل ذلك.

وهذا القول هو الراجح، وهو أن المفلس لا تباع داره التي يسكنها ولا دابته أو سيارته التي يركبها، وكذا آلة صناعته وحرفته، كأدوات نجارة ونحوها، لحاجته إليها، كثيابه ومسكنه، ولوقيل: إنه ينظر إلى سعة الدار وقيمتها، وكذا قيمة السيارة، ويعتاض منهما بأقل من قيمتهما ما كان بعيدًا، ولا سيما في زماننا هذا، وقد نصَّ الفقهاء على ذلك (٣).

° الوجه الخامس: الحديث دليل على أنه ليس للغرماء أن ينالوا من


(١) "المفهم" (٤/ ٤٢٧).
(٢) "المغني" (٦/ ٥٧٨).
(٣) المصدر السابق (٦/ ٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>