عِرْضِ المدين المفلس ولا أن يطلبوا من الحاكم سجنه، لقوله:"وليس لكم إلا ذلك" وهذا مذهب الجمهور، وحكي عن القاضي شريح سجنه حتى يقضي دينه، والصواب الأول.
° الوجه السادس: هذا الحديث من أدلة القائلين بعدم وضع الجوائح، وأن الثمار المبيعة إذا أجيحت فهي من ضمان المشتري.
ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج هذا الرجل من جميع ماله وأعطاه غرماءه، ولم يسقط عنه شيئًا من الدين لأجل الجائحة، فدل على عدم وجوب وضع الجائحة.
وأجيب عنه: بأن الحديث مجمل؛ لأنه لم يبين سبب كثرة ديون هذا الرجل، وليس فيه أنه أصيب بجائحة، ولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع وضع الجائحة، ولا يتم الاستدلال به إلا بإثبات هاتين المقدمتين، وقد تقدم ذلك.
° الوجه السابع: استدل أكثر العلماء بهذا الحديث على أن المفلس إذا قسم ماله وبقيت عليه بقية وله صنعة أن الحاكم لا يجبره على إيجار نفسه ليقضي دينه، وهذا قول مالك والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، كما استدلوا بعموم قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ}[البقرة: ٢٨٠]، ولأن هذا تكسُّب للمال، فلم يجبره الحاكم عليه، كقبول الهبة والصدقة.
والقول الثاني: أن الحاكم يجبره على التكسب، وهذا قول عمر بن عبد العزيز، ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول إسحاق؛ لأن الإجارة عقد معاوضة، فجاز إجباره عليها، كبيع ماله في وفاء الدين، وهذا القول هو الأظهر، لقوة مأخذه، وهو اختيار الموفَّق، وعبد الرحمن بن قدامة، وأما الآية فالظاهر أنه لا يدخل في عمومها؛ لأنها محمولة على من لا صنعة له (١)، وهذا فيه جمع بين الأدلة، والله تعالى أعلم.
(١) انظر: "الشرح الكبير مع الإنصاف" (١٣/ ٣٣٩)، "المغني" (٦/ ٥٨١)، "الممتع شرح المقنع" (٣/ ٣٢٠، ٣٢١).