للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأول: أن مدة المسح تبدأ من أول مرة يمسح، وليس من لبس الخف، ولا من الحدث بعد اللبس، لقوله: (يمسح المقيم يوماً وليلة ويمسح المسافر ثلاثة أيام) فهذا وغيره كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح، ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح، وهذا قول الأوزاعي، وأبي ثور، ورواية عن الإمام أحمد (١)، واختاره ابن المنذر (٢)، قال النووي: (وهو المختار الراجح دليلاً) (٣)، وقد روى عبد الرزاق عن أبي عثمان النهدي قال: حضرت سعداً وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليها إلى مثل ساعته من يومه وليلته (٤).

وعلى هذا فيمسح المقيم أربعاً وعشرين ساعة تبدأ من أول مرة يمسح، والمسافر يمسح اثنتين وسبعين ساعة، فالعبرة بالزمن لا بعدد الصلوات.

والقول الثاني: أن المدة تبدأ من الحدث بعد اللبس، فإذا أحدث بدأت المدة، وهذا قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، ومن يذهب من المالكية إلى تحديد المدة كابن عبد البر وبعض أهل المدينة (٥)، قالوا: لأن المسح عبادة مؤقتة، فاعتبر وقتها من وقت جواز فعلها، ولأن ما بعد الحدث وقت يجوز له المسح فيه، فكان أول مدة المسح منه.

والقول الأول أرجح، كما تقدم؛ لأنه مؤيد بالأحاديث التي قدرت المدة بالمسح، فيجب أن يكون ابتداؤها من ابتداء المسح، ويؤيده فتوى عمر رضي الله عنه كما تقدم، ولأن ما قبل المسح وبعد الحدث مدة لا تصح الصلاة فيها، فلما مسح صحت الصلاة، فينبغي أن يبدأ حساب المدة من وقت جواز الصلاة، والله تعالى أعلم.


(١) "المجموع" (١/ ٤٨٧)، "الإنصاف" (١/ ١٧٧).
(٢) "الأوسط" (١/ ٤٤٣).
(٣) "المجموع" (١/ ٤٨٧).
(٤) "مصنف عبد الرزاق" (١/ ٢٠٩) وإسناده صحيح على شرط الشيخين، كما قال الألباني.
(٥) "التمهيد" (١١/ ١٥٠ - ١٥٣)، "حاشية ابن عابدين" (١/ ٢٧١)، "المجموع" (١/ ٤٨٧)، "الإنصاف" (١/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>